الياس المهدي
ما أن يناقش برنامج حواري تغطية الفضائيات العربية لأحداث المنطقة، ويُطرح سؤال المناقبية، حتّى تحضر نظرية المؤامرة... هذا ما تؤكده تعليقات المشاهدين: التلفزيون دائماً في «قفص الاتهام»!

قبل عشرية كاملة، كان العرب يشكون من غياب الفضائيات التي «تُصدِّر» مفاهيم مجتمعنا وثقافته إلى باقي شعوب العالم، خصوصاً الغرب، بدافع حذف صور «التخلّف» و«الإرهاب» وغيرها من الصفات التي ألصقها بنا الإعلام الغربي. لكن بعد الانتشار المذهل لأكثر من 200 فضائية عربية، هل باتت الصورة اليوم أنقى؟ في ظلّ تصاعد موجة الاقتتال الداخلي الفلسطيني، والمرحلة المفصلية التي يعيشها لبنان، وأزمة العراق... تعيش الفضائيات العربية في «قفص الاتهام» وتُنتقد لكونها أحد الأسباب المؤججة للفتن والصراعات الداخلية.
«لا أؤمن بوجود فضائية عربية واحدة مستقلة. الفضائيات تحولت إلى منبر لتصفية الحسابات السياسية للأنظمة». هذا ما قاله حمدي قنديل في المنتدى الذي أقامه المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث في الدوحة قبل مدة، وطرح إشكالية «تأثير الفضائيات على الثقافة العربية». وهذا ما يؤكده أيضاً السياسيون في كل مرة يطلّ أحدهم على الشاشة معلقاً: «الإعلام هو السبب، الإعلام متواطئ»!
الغريب في الأمر أنّ تزايد وتيرة الفتن في الدول العربية، ترافقه دوماً زيادة في وتيرة الانتقادات للإعلام العربي، حتى يكاد المرء يظن أن الإعلام العربي هو من يسبب إشعال فتيل هذه النزاعات، ولا يرصدها! والأغرب أنّ الإعلام العربي نفسه لا يتّفق على رأي واحد. هذا ما يبدو واضحاً من عمليات المدّ والجزر بين أبرز قناتين إخباريتين، هما: «الجزيرة» و«العربية».
أليس لافتاً مثلاً، أن يغزو محلّلون معادون لسياسة السعودية البرامج الحوارية على «الجزيرة»؟ وأن تخصّص «العربية» حيزاً من هوائها لفتح نقاشات حول خلفيات موقف قطر بعدم التصويت لقرار إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن؟ إضافة إلى ذلك، ألا تتّهم أطراف النزاع في لبنان «الجزيرة» بالوقوف إلى جانب المعارضة و«العربية» بدعم الموالاة؟

حرب الأفكار العالمية

بعيداً من أزمة لبنان، نالت «الجزيرة» حصة الأسد من الاتهامات. وعلى مرّ الحروب والنزاعات التي عرفتها المنطقة العربية منذ نشأة القناة، لم تنجُ من سيل الاتهامات المتدفقة عليها من بعض الأنظمة ووسائل الإعلام، وحتى من المشاهدين. وبعدما اتُهمت سابقاً بالترويج للإسرائيليين، لأنها سمحت بعرض وجهات نظرهم، على حد قول بعض خصومها، ها هي «جيروزاليم بوست»، تنشر بعد أسابيع من إطلاق «الجزيرة الدولية»، مقالات تسلّط الضوء على الخطر الآتي من قطر. إذ وجد صحافيون في تل أبيب أنّ المحطة جعلت «اسرائيل تخسر على جميع الصعد حرب الأفكار العالمية التي كسبتها منذ نشوئها قبل أكثر من خمسة عقود، وهو ما يحتّم علينا إطلاق فضائية مضادة، وإلا فلن نستطيع أن نحتوي الأثر الإعلامي لهذه القناة في أوساط الجمهور الغربي».
وسط كل ذلك، يبدو المشاهد العربي أشبه بـ «الأطرش في الزفة». ومن لم ينفر من السياسة، استنجد بمنابر النقاش ليفجر غضبه، فتحوّلت تلك البرامج إلى بكائيات، ينتظرها المشاهد للتعبير عن غضبه وحزنه. وهنا أيضاً، لا يعرف المشاهد ماذا يريد من الإعلام. في برنامج مثل «منبر الجزيرة»، أو على غرف الدردشة التابعة لهذه الفضائيات، تسمع العبارات نفسها: «الأنظمة متواطئة مع الغرب»، و«أميركا لها يد بما يحدث»، «إسرائيل هي المستفيدة»، «الشعوب مغلوبة على أمرها، وعليها أن تنتفض».

اتجاه معاكس

أخيراً، ووسط كلّ هذه الاتهامات، لم يعد ممكناً فهم دور الإعلام، أو بالأحرى الدور الذي ترغب الأنظمة والأطراف المتصارعة وحتى الشعوب في أن يؤديه الإعلام العربي! من هنا، يرى بعض المتابعين أنّ المشاهد العربي ليس بريئاً بالضرورة، «فما من أحد يجبره على مشاهدة برامج معينة. وهو أيضاً «شريك في صياغة مواد الفضائيات من خلال مشاركته أيضاً في البرامج الحوارية»، كما تقول مذيعة «الجزيرة» خديجة بن قنّة. وعلى رغم سوداوية المشهد، يرى المدافعون عن واقع الإعلام العربي أنّ هذه الفضائيات نجحت في كسر الهيمنة الغربية على المعلومة، فلم تعد الأخبار تتدفق من الشمال إلى الجنوب، بل أصبحنا نصدر المعلومة أيضاً.