strong>ليال حداد
زوار معرضيْ الكتاب في أنطلياس أو في البيال يتذكرون جيداً تلك الزاوية الخاصة بالوثائق والكتب التاريخية القديمة. وقد كان الإقبال عليها واسعاً على رغم أن أسعار معروضاتها مرتفعة نسبياً. «أنا أبيع في المعارض الوثائق والكتب التي لا تعنيني كثيراً أو التي تشكل فائضاً عما أملك، فأجمع مالاً أشتري به أموراً تهمني أكثر»، هكذا يشرح فادي الديري صاحب هذه المجموعة الكبيرة سبب مشاركته في معارض الكتب التي تُقام في لبنان.
الديري مولع بكل ما له علاقة بالوثائق التاريخية، ويتحدث بشغف كبير عن بداياته في هذا المجال قائلاً: «منذ طفولتي أجمع أشياء صغيرة كالعملات وغيرها، وعندما غادرت لبنان الى الولايات المتحدة لأكمل دراستي الجامعية تطورت هواياتي لتصبح هوساً، فبدأت ألاحق كل ما له علاقة من قريب أو من بعيد بكل ما هو تاريخي ولا سيما الوثائق». يتوقف عن الحديث ليعود بذاكرته إلى أيام الدراسة، يرسم ابتسامة خجولة ويكمل: «بين الولايات المتحدة وفرنسا استطعت أن أجمع الكثير الكثير من الوثائق القديمة والمهمة». يستجمع ذكرياته ويردف: «حين كنت في فرنسا كنت أعطي رقم هاتفي للتجار الذين لهم علاقة بهذا المجال، وفي أحدالأيام اتصل بي تاجر وأخبرني بأن لديه جواز سفر الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني، فقصدته مسرعاً واشتريت الجواز».
يزدان منزل الديري بكل ما هو «قديم»، فالزوايا كلها مزيّنة بوثائق ولوحات قديمة وذات قيمة تاريخية، فهنا وثيقة موقّعة باسم الرئيس شارل حلو، وهناك وثيقة وقّعها الجنرال الإنكليزي سبيرز. وإلى جانب التلفاز شيك مصرفي صادر عن بنك «أنترا» الذي أفلس قبيل الحرب الأهلية اللبنانية. وتتربّع الكتب في كل مكان، على طاولات وخزائن.
إن من يرى المجموعة يسأل عن مصدر هذه «الثروة»، فيأتي الجواب بسيطاً: «لا مصدر محدداً لها». يستفيض الديري في شرح هذا الجواب: «أحياناً أسمع أن منزلاً معروضاً للبيع بكل ما فيه من أثاث، فأقصده وحين أرى مكتبة أشتريها كاملة. وقرب منزلي مكان خاص لبيع الورق وإعادة تصنيعه، أجد فيه وثائق قديمة رماها أصحابها».
يفخر الديري ببعض الوثائق والكتب النادرة جداً و«شبه المنقرضة» من الأسواق، ومنها «كتاب أنطون سعادة (مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي) «نشوء الأمم»، وقد قيل كلام كثير عن طبعتين منه، طبعة أولى وطبعة أخرى صحّحها سعادة وهي النسخة الموجودة حالياً في الأسواق، والحقيقة أن الكتاب صدر بنسخة واحدة». يتجه الديري الى إحدى الخزائن ليأتي بالطبعة الأولى المصحّحة بخط يد سعادة.
كتاب آخر يبدو غالياً جداً على قلب الديري وهو رواية باللغة الإنكليزية. إلا أن أهميتها لا تكمن في قيمتها الأدبية بل بالرسالة المدوّنة على الصفحة الأولى من الكتاب والموقّعة باسم جندي أميركي شارك في تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني، وقد دوّن هذا الجندي أنه أخذ هذا الكتاب من منزل ضابط ألماني.
وخصّص الديري ثلاثة أركان خاصة في منزله. الركن الأول خاص بوالده الكاتب والصحافي الياس الديري، والركن الثاني خاص بالصحافي الكبير غسان تويني، والركن الثالث خاص بكل ما يتعلق بأنطون سعادة.
من ناحية أخرى، فإن الزبائن الذين يقصدون الديري بحثاً عن طلبات متنوعة يقسمهم هذا الأخير الى أكثر من فئة: «هناك هواة جمع كل ما هو غريب، وهناك من يبحث عن كل ما له علاقة بعائلته ولبنان، ولا يمكننا أن ننسى زبائن البريستيج الذين يحبون أن يشتروا الوثائق والكتب القديمة والغالية الثمن ليفاخروا بها أمام أصدقائهم».