طه حسين مطلوب حياً أو ميتاً مذ خلع عباءة الأزهر، وارتدى بدلة السوربون! «الأيام» هي قصة انتقاله تلك. كتبها بعد عام ونصف من عاصفة أثارها كتابه الشهير «في الشعر الجاهلي» (1926). ضربات متوالية وجّهت يومذاك إلى الثقافة السائدة، بدءاً من مناقشات مجلس النواب المصري حول الطابع الديني لنظام الأوقاف، ومطالبة نواب بإلغائه نهائياً. كما تقدّم النواب يومها باقتراح إلغاء منصب المفتي، وأدى القرار الجريء الذي اتّخذه مجلسا النواب والشيوخ إلى جعل مدرسة القضاء الشرعي ومدرسة المعلمين الأولية ودار العلوم تابعةً لوزارة المعارف العمومية، بدلاً من تبعيتها السابقة لشيخ الأزهر، وهذا ما أدى إلى خروج الأزهريين في تظاهرات صاخبة تنادي بسقوط البرلمان. بل إنّ طلاب دار العلوم تخلّوا عن زيهم التقليدي وعن العمامة ليرتدوا بدلاً منها الزي الأوروبي والطربوش.في تلك المناخات النهضويّة كتب طه حسين سيرته، تحت تأثير المعركة التي قادها رجال الأزهر ضد كتابه. إذ اعتمد على بحث جريء، هو سيرة مبتكرة وقتها. وعندما لعب أحمد زكي دور طه حسين في مسلسل مقتبس عن الرواية استعاد ملامح ذاك المثقف صاحب معجزة الانتصار على العمى. صحيح أن المسلسل تجاهل أزمة الشعر الجاهلي، لكنّه صوّر الصراع بين طه حسين و«الأزهر». واستعاد حيثيات تلك المواجهة، في ثمانينيات القرن العشرين التي كانت بدأت تشهد بعض مظاهر الردّة الفكريّة. وها هي الجولة الثالثة من المعركة ضد طه حسين تندلع، بعدما ضعفت قوى المشروع التنويري من جديد!