ريتا خوري*
البريد الإلكتروني الذي وصلني قبل أيام حاملاً تقريراً بثّته قناة «العربية» عن شماتة مذيعة في محطة لبنانية باغتيال النائب وليد عيدو، أعاد إلى ذهني سلسلة من الأحداث وزلّات اللسان التي أطاحت بعض المذيعين والمذيعات من مناصبهم... وسريعاً تذكّرت ذاك المذيع الذي لفظ ــــ في منتصف الثمانينيات ــــ كلمة «عاهر» بدلاً من «عاهل»، وتذكّرت أيضاً زميلته التي أطلقت على عمرو موسى اسم عمرو دياب في زلّة لسان أيضاً، وأخرى قالت «الحمار» بدلاً من «الحوار»... وأكثر ما أتذكّره هو تلك المذيعة التي كانت تطمح في إحدى دورات مهرجان جرش إلى محاورة الشاعر محمود درويش، إلا أنّ غريمتها التي كانت تحظى بمباركة إدارة المحطة، خطفت الفرصة منها وجعلتها فقط تعلن موعد اللقاء... يومها نسي مهندس الصوت الميكروفون مفتوحاً، فبدأت المذيعة تشتم زميلتها وتصفها بأفظع العبارات، متهمةً إياها باستخدام جسدها ومفاتنها للوصول إلى مآربها المهنية. وبالطبع، فُصلت مع مهندس الصوت، بعد ساعات من الحادثة ولم تشفع لها الوساطات الكثيرة في إعادتها إلى عملها.
هكذا يستطيع الميكروفون هذا الصديق الصدوق أن يتحوّل في لحظة شرود وعدم انتباه إلى عدوّ لدود يتربّص بممارسي هذه المهنة.
سنحت لي الفرصة مرةً أن أتابع تحقيقاً عن لبنان، لمصلحة إحدى المحطّات الأجنبية. تمكّنتُ في هذا التحقيق من مشاهدة كلّ اللقطات التي صُوِّرت، بما فيها تلك التي لم تُستخدم أثناء المونتاج. لكنّي توقفتُ مطوّلاً أمام مشاهد سهرة جمعت عدداً من الإعلاميات. في ذلك اللقاء، سمعتُ لإحداهن ـــ إذ يسجّل لها الميكروفون «الخبيث» على غفلة منها ـــ موقفاً ضد نساء طائفة أخرى. ثم انتقلت الكاميرا معها إلى الاستوديو حيث كانت تقدّم برنامجها الأسبوعي. في تلك الحلقة كانت تستضيف شخصين، أحدهما يستعد للإدلاء بمداخلته من مكتبه. هنا، كانت الكاميرا تسجّل أيضاً ما يحدث على الهواء وتحته: كنتُ أحترم هذا المسؤول كثيراً قبل أن أسمعه تحت الهواء يشتم ضيف الاستوديو واصفاً إياه بأبشع الصفات.
وأذكر الآن الشحوب الذي طال وجه فنان قدير عندما كنّا نستعدّ لتصوير إحدى حلقات برنامج كنت أتولى تقديمه. يومها دارت بيني وبينه دردشة قصيرة خارج الهواء، دفعته إلى شتم أحد المسؤولين الإعلاميين. كانت ردة فعلي التلقائية أن نظرت إلى علبة الميكروفون السوداء المعلّقة إلى خصري لأتأكد من أنّه مقفل. هنا، شحب وجه ضيفي فجأة وسألني بذعر شديد: «مفتوح»!!؟
خلاصة القول أنّي أكتشف اليوم أنّني مدينة كثيراً لذلك الذي علّمني، وأنا حديثة العهد في المهنة، أن أتّقي عدوّي: ميكروفون مفتوح على غفلة منّي. هل تريدون معرفة أسماء الأشخاص الذين ورد ذكرهم أعلاه؟ عذراً، لكنّ الميكروفون مقفل!

* إعلاميّة ومقدمة برامج