الجزائر ــ بشير مفتي
إشكاليّة «النقد الروائي في المغرب العربي: الخصوصية والاختلاف»، كانت أخيراً موضع بحث في الجزائر. وشاركت في الندوة التي نظّمتها «رابطة كتاب الاختلاف» بالتعاون مع «المكتبة الوطنية الجزائرية» مجموعة من النقاد والروائيين المغاربة من الأقطار الأربعة، أي تونس والمغرب الأقصى وموريتانيا، فيما تغيّبت ليبيا، وإن حضرت بشهادة أرسلها الروائي الليبي إبراهيم الكوني عن تجربته الروائية وعلاقتها بالصحراء.
افتتحت الجلسة الأولى التي ترأسها الروائي الطاهر وطار بندوة للناقد المغربي سعيد يقطين طرح فيها جملةً من القضايا التي تمسّ معنى المغاربية. هل المغاربية معنى جغرافي سياسي، أم محيط ثقافي مميز، أم شيء مجرّد في المطلق يتم التحدث عنه بما يقابله، أي المشرقية؟ وأكّد يقطين أنّ ولادة الرواية والنقد المغربيين تعود إلى فترة حديثة، وأنّ التحول بدأ مع بداية السبعينيات حين برزت أسماء روائية ونقدية من المغرب اعتُرف بها في المشرق العربي وزحزحت سلطة المركز فانتقل المرجع النقدي بنسبة كبيرة إلى بلدان المغرب العربي. ثم انتقد صاحب كتاب «فضاء المتخيل» طابع الاستعراض النقدي الذي وقع فيه نقاد مغاربة يكثرون من إبراز عضلاتهم النقدية على حساب النص الإبداعي. هذه المداخلة أثارت جدلاً داخل القاعة، خصوصاً بعدما أعرب الطاهر وطار عن نفوره من النقد الشكلاني الحديث الذي لا يُفهم منه شيء حتى عندما يتناول أعماله. الناقد محمد داود قدّم محاضرة عن تصور الغيرية في الرواية الجزائرية وتلاه الروائي الموريتاني موسى ولد أبنو الذي قدّم مداخلة أثارت الاستغراب، وهي قراءة نقدية في إحدى رواياته.
وخلال الجلسة الثانية، قدّم الناقد الجزائري أحمد يوسف مداخلةً عن «الاستعارات الكبرى في تجربة الكوني الروائية»، متناولاً تجربة الكوني من خلال ما سمّاه العروش النصية والجانب الفلسفي في تجربة هذا الروائي المميزة. بينما قدّم الناقد المغربي محمد الداهي مداخلة في النقد المغاربي للرواية من خلال تجارب بعض النقاد المميّزين كمحمد برادة وسعيد يقطين وعبد الحميد العقار. وخلال الندوة الختامية، قدّمت مجموعة من الشهادات الروائية لروائيين كالطاهر وطار وعبد العزيز غرمول وأمين الزاوي وبشير مفتي وصلاح الدين بوجاه من تونس. واختُتمت بالدعوة إلى تأسيس اتحاد كتاب مغاربة وإقامة ندوة سنوية لتطرح القضايا التي تميّز ثقافة المغرب عن المشرق.
هذه الندوة التي جاءت على هامش الدورة الرابعة من «المعرض المغاربي للكتاب»، كانت محاولة للإجابة عن أسئلة بقيت مفتوحة. هل يسعى المغاربة إلى خلق ثقافة حوار في ما بينهم، إحساساً منهم بتهميش ما من المشارقة؟ هل هو نوع من البحث عن مركز ثقافي حديث بديل للمركز التقليدي في المشرق العربي؟ هل هو اختلال التوازن بين جناحي العالم العربي الذي يدفع إلى مثل هذه التساؤلات؟ أم أنّ الامتداد لثقافة أُم، يعني في النهاية التمرد عليها... ما دامت عاجزة عن شمل الجميع بعدالتها الحكيمة؟ المهمّ أن الندوة كشفت حماسة كبيرة لمغاربية ثقافية مختلفة تريد أن تتواصل مع المشرق من موقع ندّي لا كطرف متلقّ فقط ومستهلك ليس غير.