محمد خير
ماذا يمكن فضائية «مجانيّة»، تملك أرشيفاً ضخماً للسينما العربية، أن تقدّم من خدمات إضافية لمشاهديها؟ «روتانا سينما» و«روتانا زمان»، الأكثر مشاهدةً في الشبكة التلفزيونية السعودية، وجدتا الحلّ: تعزيز مقصّ الرقابة، و«تزيين» الشاشة بشرائط ملّونة للرسائل القصيرة...
يتمثّل الدور الذي لا ينكره أحد لقناة «روتانا سينما»، وابنتها التي انشقّت عنها «روتانا زمان»، في عرض آلاف الأفلام العربية «مجاناً مجاناً مجاناً»، كما يقول الشعار الذي لم ولن يتوقف عن إذلال المشاهدين. هذه المجانية استتبعتها نتائج نابعة من مقولة «من حكم في ماله ما ظلم»، وهي (أي النتائج) تظهر جلياً في مقصّ الرقابة «الروتانية» الناعم الذي يتفوّق أحياناً كثيرة حتى على مقصّ الرقابة المصري العتيد، القابع في «ماسبيرو» (التلفزيون الرسمي المصري)، وقد أصابه الضجر بعد رحيل معظم الأفلام بعيداً عن ضفاف النيل. لكن مقصّ «روتانا» أكثر طرافة و«عروبية»، لأنه أضاف إلى حذف القُبَل الساخنة، حذفاً «قومياً» لأي انتقاد قد يطال صورة أي نظام أو دولة عربية، ولو من باب «الإيفيه». على رغم ذلك، كان لـ«الروتانتين» الفضل في قطع الطريق، على أي محاولة فضائية جديدة لتشفير الأفلام العربية. لماذا يدفع المرء ثمن اشتراك في قناة مشفّرة، بينما «روتانا» تقدّم الأفلام «مجاناً مجاناً مجاناً»؟ إلا أن ذلك العامل قد يتغيّر بعد المفاجأة الجميلة التي أعدّتها «روتانا» لجمهورها الواسع، والتجديدات التي أجرتها على قناتي «سينما» و«زمان»، وانتظرها الجمهور حتى أتته بما لم يكن يتخيل... تُرى ما الذي قد يمثّل إضافة إلى قناتين تقدّمان بالفعل كل ما يطلبه المشاهدون؟
الجواب لم يكن متوقعاً: تمّ تغيير لون «اللوغو». والأهم والأروع: شريط الرسائل القصيرة «إس إم إس» الذي انفردت به قناة «روتانا زمان». عفواً، انفردت بهما لأنهما شريطا رسائل، يجريان بسرعتين مختلفين، تيسيراً على المشاهدين. هكذا يتسنّى للجميع قراءة ما يرد فيهما من دعوات ونواهٍ وأشواق متبادلة، لأن الفيلم المعروض ــــــ مهما كانت أهميته ــــــ لن يحتوي على كل تلك المشاعر المتناقضة.
تتميز «روتانا زمان» بغلبة اللونين الجميلين الكلاسيكيين: الأبيض والأسود على معظم أفلامها، ويتابع القناة جيل كامل من المشاهدين: منهم كبار السن، ومنهم من يعاني الحنين إلى زمن لم يعشه، ومنهم من يدرك أن السينما العربية في زمنها الأبيض والأسود قدّمت أهم أعمالها، ووصلت إلى ترشيحات عالمية، لم تتخطّ حدودها في ما بعد، إلا في ما ندر. «روتانا زمان» إذاً ومعها «روتانا طرب» تنتميان في «صورتيهما» إلى زمن، تمثّل العودة إليه الغرض من إنشاء القناتين. فماذا اختار القائمون على الشبكة لوناً لـ«لوغو» كلّ من القناتين؟ اللون البرتقالي لـ«روتانا زمان»! أما «روتانا طرب» فلم تكن أفضل حظاً، بعدما اختاروا لها اللون البنفسجي! يمكن مؤقتاً استبعاد قناة الطرب من المعادلة، على اعتبار أنه يمكن المتلقي الاستمتاع بها سماعياً فحسب، ولكن ما العمل إزاء «روتانا زمان»؟ وكيف تتقبل العين 3 درجات مختلفة من اللون البرتقالي على خلفية من اللونين الأبيض والأسود؟ أكثر درجات البرتقالي الداكنة تميّز اللوغو في أعلى يمين الشاشة، يليه شريط «إس إم إس» الأسفل، ثم شريط الرسائل الأعلى الذي لا يتميز بلونه الزاهي فحسب، بل بكونه أقلّ سرعة من شقيقه... يحتاج الأمر هنا إلى استشارة طبيب للعيون، لبيان الضرر الذي قد يصيب الحدقتين من هذه التأثيرات المتعاكسة، وخصوصاً أن «الاستغماتيزم» ليس مرضاً نادراً! فيما يرى آخرون أن طبيباً نفسياً وعصبياً هو المعنيّ أكثر بدراسة مدى «إدراك» المشاهد، وسط كل ذلك، للفيلم المعروض: هل يمكن أن تلمّ بالأحداث وأنت ترى أمامك «مستويين» من المشاعر المتضاربة، تبدأ من سؤال «وحيدة الشرقية» عن «هشام 33 سنة محام»، وصولاً إلى «إذا أعطاك الله الهم فاعلم أن الله يحبك وينتظر منك الحمد والشكر»، ومن رومانسية المراهق الذي «ينسج من خيوط القمر حروف العشق» إلى التعليمات المهنية «أنا رايح أفتح المحل وأرشّ المية أشوفكم في وردية الليل»؟ وبين هذا وذاك، يستمرّ النداء الذي يمزّق القلوب بحثاً عن «فيحاااااااْْء»... بعد كل ذلك، من يحتاج إلى الدراما؟
إن عرض شريطي «إس إم إس» على شاشة «روتانا زمان»، وبهذه التناقضات اللونية القاتلة، وبعد انتظار الجمهور للمفاجآت التي وعدته بها المحطة، هو أمر شبيه بأن يقيم أحد المطاعم حفلة كبيرة يتبادل فيها التهاني مع الزبائن، احتفالاً برفع أسعار المأكولات إلى الضعف، أو ابتهاجاً بخفض جودة الطعام. هكذا انخفضت جودة الشاشة «الروتانية» التي أصبحت تتشارك فيها لهفة سعاد حسني مع «تهنئة الأستاذ عبد السلام بنجاح ابنه مصطفى»؟
إن التجديدات «الروتانية» الأخيرة هي من طراز نادر لا يمكن أن تتعوّده أعين الجمهور، وربما أصبحت النصيحة الأفضل للمشاهد، من أجل الحفاظ على استمتاعه بالفيلم وعلى صحته أيضاً، وخلافاً لما يقول شعار المحطة، أن «يغمض عينيه».