strong> بشير صفير
كيف يمكن ألا نتذكّر عاصي الرحباني الذي غادرنا أول الصيف، في مثل هذا اليوم قبل 21 عاماً. لم يكن قد أرسي بعدُ ذاك التقليد العالمي الذي صار عيد الموسيقى. لكنها الآن تبدو كأنها وصيته لنا وللعالم أجمع، كي نتذكّره... كي نستعيد مئات الألحان التي قولبت الذوق العام في لبنان والعالم العربي، وصارت في كل أذن، وعلى كل فم ولسان. عبقريّة عاصي هي في قدرته على الوصول إلى الناس. وهل من وسيلة أفضل من صوت فيروز، الزوجة والشريكة، لإرساء أحد أهم المشاريع الموسيقية في الشرق، خلال النصف الثاني من القرن العشرين؟
لم يكن عاصي الرحباني موسيقياً عادياً في حالتي التلحين والتوزيع. لم يكن طليعياً تجريبياً إلى درجة قطع حبل الصرّة مع جيله، كذلك لم يكن رجعياً تقليدياً، ينسخ مما آلت إليه الموسيقى الشرقية. مشروع عاصي وصل إلى الناس بسهولة، وشغل عالم الموسيقى بتعقيداته في آن. كتب ألحاناً سهلة الوصول إلى الآذان، وأرفقها بتوزيع متخفّ ومعقّد في التقابل والتوافق الموسيقيين، فوفّر لهذه الألحان القاعدة المبنية بعناية، لتحمي الأغنية من عوامل التآكل مع مرور الزمن: اليوم نحبّ اللحن، ونأنس لصوت فيروز، وغداً وبعده نكتشف الدعائم الموسيقية الكامنة وراء النغم والصوت، وهي التي تجدد الأغنية.
ما فعله عاصي على صعيد التوزيع الموسيقي، كان تأسيساً في النمط والذوق وحسن استعمال الآلات الموسيقية والتلوين بجمل طويلة أو أخرى مبنية على نوتة أو اثنتين. مات عاصي، لكنّ مشروعه لم يمت. ويمكن بسهولة تلمّس تطوّره عند زياد، الابن الأمين. فما التوزيع الموسيقي الذي يكتبه هذا الأخير للوتريات وآلات النفخ (على سبيل المثال)، سوى امتداد لجمل نجد نموذجاً عنها عند عاصي. وما بزق زياد سوى «تحية إلى عاصي»!
***

برنامج «صباح الخير يا لبنان» على «تلفزيون لبنان»، يحيي هذا الصباح (بإشراف عبيدو باشا) الذكرى 21 لرحيل عاصي الرحباني. ويشارك فيها شقيقه الياس الرحباني، مستشار الأخوين الرحباني سامي عطية، الوزير السابق الياس حنا، والزميلان جورج موسى وبشير صفير. كذلك يقدّم البرنامج تحقيقاً بعنوان «عاصي وتجربة الرحابنة بصوت فيروز»، إضافة إلى عرض لقطات من أعمال شهيرة لعاصي ومنصور. ويبث البرنامج مقابلة خاصة من الأرشيف كان قد أجراها نجيب حنكش مع الرحبانيين في أوائل الستينيات.

التاسعة صباحاً على «تلفزيون لبنان»