باريس ـ عثمان تزغارت
يقيم جناح الآثار المصرية القديمة في متحف «اللوفر» في باريس معرضاً خاصاً يسلّط الضوء على الدور الريادي الذي لعبه الطب الفرعوني في التأسيس لعلوم الطب والصيدلة، وذلك قبل نشأة المدارس الطبية الإغريقية الشهيرة بأكثر من 15 قرناً.
ويُقام هذا المعرض الذي يستمر إلى 6 آب المقبل احتفاءً باقتناء «اللوفر» مخطوطة طبية فرعونية نادرة ومغمورة، لم تُكتشف قيمتها العلمية سوى قبل عامين. ويؤكد خبير الآثار الفرعونية في «اللوفر» مارك إيتيان أنها تعدّ اكتشافاً مفصلياً في مجال التأريخ لنشأة علوم الطب والصيدلة.
المخطوطة مكتوبة على شريط ملفوف من ورق البردي، يبلغ طوله قرابة 7 أمتار، وقد اقتناها جامع تحف فرنسي في القاهرة، سنة 1953، وبقيت مغمورة حتى وفاته سنة 2005، حيث عرضها ورثته للبيع، فقامت وزارة الثقافة الفرنسية بإخضاعها للفحص العلمي بالتعاون مع خبراء الجناح الفرعوني في «اللوفر». وبعد التثبت من قيمتها العلمية الاستثنائية تقرّر تصنيفها في مصاف «الكنوز الثقافية».
واقتنى متحف اللوفر المخطوطة في مطلع حزيران الجاري، مقابل 690 ألف يورو تبرعت بها مؤسسة «إيبسن» للصناعات الصيدلية.
أهمية هذه المخطوطة لا تكمن فقط في ندرتها، حيث لا توجد عبر العالم سوى 12 مخطوطة طبية مماثلة موروثة عن الحضارة الفرعونية، بل هي استثنائية أيضاً من حيث قيمتها العلمية. فهي تأتي في المنزلة الثانية، من حيث أهميتها وطولها، بعد مخطوطة Ebers، البالغ طولها 22 متراً، والتي تعد أشهر مخطوطة طبية فرعونية.
خبير الآثار الفرعونية في «اللوفر» مارك إيتيان قال: «هذه المخطوطة تقدّم وصفات طبية وصيدلانية بالغة الدقة، وتُعنى أيضاً بتشخيص العديد من الأمراض، وخاصة الجلدية منها. وهذه الدقة العلمية لا نجدها في مخطوطات من العهود القديمة. أمامنا جهد كبير لترميم هذه الوثيقة وإخضاعها للفحص والدراسة».
وتحدث إيتيان عن المواصفات التقنية للمخطوطة، فقال: «كانت عبارة عن شريط ملفوف من ورق البردي، يبلغ طوله قرابة 7 أمتار، تمّ طيّه من الوسط قبل لفّه على طبقتين كلتاهما مكتوبة على الوجهين. وعند إعادة فتح الشريط الملفوف حديثاً، تقطع إلى ثمانية أجزاء أو صفحات محفوظة حالياً تحت واجهات زجاجية. أما على صعيد المضمون، فتنقسم المخطوطة إلى نصّين: الأول مكتوب على وجه ورقة البردي، والثاني على الجهة الثانية. وقد أنجز هذين النصين كاتبين مختلفين، تفصل بينهما نحو 150 سنة. النص الأول يعود في تقديرنا إلى نهاية عهد «توت موزيس» أو بداية عهد «أمينوفيس»، أي ما بين 1479 و1401 قبل الميلاد. أما النص الثاني، فيعود إلى بداية عهد «رمسيس»، ما بين 1294 و1250 قبل الميلاد. وقد جاء النص الثاني مكمّلاً للأول، لا على صعيد المضمون الطبي المحض، بل عبر وضع الأمراض المشخّصة طبياً في النص الأول في سياق ميتولوجي، عبر ربطها بالآلهة والرموز الدينية، سواء منها الخيّرة التي تُنعم على المرضى بالشفاء، أو الشريرة التي تسبب الأمراض...».