بيار أبي صعب
بين المعضلات الفكرية التي تواجه مجتمعاتنا، وتعرّضنا لمختلف أشكال الحروب والانهيارات، ذلك العجز المزمن عن مواجهة مسألة الدين، ومكانته في حياتنا المعاصرة، وعلاقته بالدنيوي من شؤوننا وحقوقنا وقضايانا، كمواطنين وكبشر. الدين والسياسة: أما آن لحبل السرّة الذي يربطهما أن ينصرم؟ متى تنظر السلطة إلى الفرد بصفته المدنيّة، ويتعامل الأفراد في ما بينهم على أساس القوانين الوضعيّة، والقيم الإنسانية؟ متى يترك لكل إنسان أن يختار انتماءه، في ضوء قناعاته الفلسفيّة، وأن يعبد ربّه كما يشاء، من دون أن يؤثر ذلك في علاقاته بالحاضرة وأهلها؟
متى (وكيف) تفرنقع تلك الجموع الهائجة التي تحاصرنا بأزمنة انحطاطها المقلقة؟ أما آن لعقدها أن ينفرط، فيخرج كل فرد من عصبياته، ويعود إلى إنسانيّته؟ متى تتصدّع جدران الهيكل على تجّاره الفاسقين، وحفاري القبور على اختلاف أنواعهم؟... يأتينا صدى هذه الأسئلة من تونس، حيث أعلن قبل أيام عن تأسيس «الجمعية الثقافية التونسية للدفاع عن العلمانيّة» بمبادرة مجموعة من المثقفين والمثقفات، ورجال القانون والعلم ونسائهما، والجامعيين والجامعيات، والنشطاء والناشطات في الحقلين الثقافي والحقوقي.
بعد التأكيد على رفضهم لمشروع الدولة الإلحادية، يعبّر هؤلاء عن قلقهم من «الانتكاسة التي تشهدها مجتمعات عربيّة كتونس، ومن مؤشراتها الدعوات المتنامية إلى التراجع عن العلمانية في ميادين مثل التربية والثقافة والإعلام». ويستهجن هؤلاء اعتبار الخيار العلماني «دخيلاً» على ثقافتنا العربيّة، ويحذرون من مختلف أشكال الردّة التي تستدرجنا إليها حركات الإسلام السياسي.
تحيّة إلى هؤلاء الشجعان في بلد الطاهر حدّاد، من بيروت عبد الله العلايلي، في المشرق العربي المنهك بأبشع عوارض الانتحار الجماعي التي تمثلها السلفيّة.