عبد الغني طليس
لم تضع صباح احتمالاً لـ«موتها» إذا اضطرت للعيش بعيداً من الناس، بل أكدت أنها «ستموت» في هذه الحالة. هناك يقين كامل لدى هذه المرأة الجبّارة بأن الناس هم إكسير حياتها، وأن مشاركتها الكثيفة في المناسبات الفنية والاجتماعية هي جزء حقيقي من طبيعة تكوينها الإنساني والشخصي، يدفعها إلى ممارسة وجودها بصورة مستمرّة من دون أي وجل أو تردد أو حتى تأثر بردود الفعل سلباً أو إيجاباً. إنها تؤكد وتعيش اقتناعات الشهرة والأضواء، بما يلزم من الممارسة الاجتماعية.
ما تقوله صباح ليس كلاماً في الهواء أو مبالغة. وليس هناك من يستطيع أن يضع أي علامة استفهام في وجه الحقيقة الأكثر ثباتاً في حياتها: حبّ الناس، حبهم لها وحبّها لهم. كما ليس هناك، حتى الآن، من استطاع أن يحرمها متعة الوقوف أمام الكاميرا، بين الفنانين أو الجمهور. صباح لا تبالغ في تلبية الدعوات الاجتماعية، مهما كان شأنها. فالمقياس عندها هو: هل يحبّها الداعي أم لا؟ هل يحترمها أم لا؟ وهل يمكن أن تتسلى وتمضي وقتاً طيباً أم لا؟ وما دامت الإجابة إيجابية، فهي جاهزة وتحت الطلب!
وكي يكتمل المعنى الذي تريده، توضح صباح: «لا أستطيع الجلوس وحيدة في المنزل. أصاب بالكآبة وأشعر بضيق في التنفس. لذا، أخرج إلى الناس، أصادقهم وأنتمي اليهم. هذه هي شخصيتي، ولن أغيّرها حتى آخر يوم من حياتي».
هل يمكن السؤال عمّا إذا كانت صباح، منذ بداية حياتها الصاخبة، قد جلست يوماً وحيدةً تراجع حساباتها؟ ليس المقصود هنا الإساءة إلى فنها ولا إلى حياتها، بل اكتشاف طبع الإنسانة فيها، لا الفنانة فحسب. منذ نصف قرن تقريباً، لم يتغير عليها وعلينا شيء في حضورها الفني، الإعلامي خصوصاً. ظلّت تلبي المقابلات التلفزيونية والإذاعية والصحافية كأنها تموت غداً وكأنها تعيش أبداً في آن. أمر واحد تغيّر فقط، هو الضحكة. لم تعد صباح تضحك في المقابلات، كما كانت تفعل سابقاً. كانت تضحك مع كل جواب، أو إشارة. لا تكاد تجد في أرشيفها الإعلامي المرئي والمسموع، لقاءً من دون رنّة الضحكات. وهذا ما افتقدته في السنوات القليلة الأخيرة، وافتقده جمهورها، وافتقده الإعلاميون جميعاً. تضاءل الضحك على شفتيها، وتراجع صوت القهقهات. غاب الضحك، وحل التأمل محله. غاب اللهو في أجوبة صباح وأخذت الجدية مكانه. ويمكن الانتباه ببساطة إلى أن المذيعين والمذيعات لم يعودوا يطلبون مقابلة صباح ذات الحيوية «الخارجية»، بقدر ما يطلبون صباح ذات الحيوية «الداخلية» العميقة. حتى صباح نفسها لم تعد تجيب عن الأسئلة كيفما اتفق، بل تقدم الأمثولة والعبرة. ويبدو أن أغلبية لقاءاتها الإعلامية منذ سنوات، تأتي بنتائج فنية حوارية مفيدة على صعيد التجارب الحلوة والمرة. ومن يدقق في بعض الأفكار التي تقولها عن الخلاصات الإنسانية والفنية، يلمس قدرتها الفائقة على تقديم النصح لأجيال أتت أو ستأتي... كما يلمس الصدى الإيجابي الذي يتردد لدى الجمهور ولدى الفنانين المهتمين بهذه النصائح.
قالت صباح ذات يوم: «لا أقوى على رد دعوة إلى مناسبة فنية أو مقابلة إعلامية». لكن هل الجمهور يقوى على تقبل كل تلك النشاطات واللقاءات التي قد يستغلّ بعضها صباح؟
لصباح وجمهورها من دهرهم ما تعوّدوا... فلنقل ذلك!