الرباط ـــ ياسين عدنان
قد تبدو الثقافة في مجتمعاتنا اليوم «امتيازاً» طبقياً لسكان المركز، تبعده شبكات التوزيع وآلياته عن متناول أهل الأطراف النائية. من هنا يمكن اعتبار جميلة حسون «مقاومة» تحمل المجتمع المدني على ظهرها إلى العمق المغربي من خلال الكتب في البداية والآن من خلال الأفلام. هذه القوافل لفتت نظر الكاتبة وعالمة الاجتماع فاطمة الرنيسي، صاحبة «شهرزاد ليست مغربيّة»، فانخرطت فيها شاهدة وشريكة. رأت في جميلة حسون «سندبادة» من نوع خاص.
عندما ملأت سيارتها بالقصص والروايات، وقررت أن تطوف بها القرى المجاورة لمراكش، لم تكن جميلة حسون تخال أنّها ستصير مرجعاً لكثيرين. كانت الفكرة بسيطة للغاية: بدلاً من أن تنتظر الزبائن بكسل في مكتبتها الصغيرة في حي الداوديات المراكشي، فضّلت أن تتجول بسيارتها في القرى المجاورة. بحثاً عن قراء صغار يحتاجون إلى من يضع الكتاب بين أيديهم. ولأن جميلة ليست مجرد تاجرة، بل مناضلة بالأساس وامرأة شغوفة بالقراءة، سرعان ما ستأخذ جولاتها الروتينية في أحواز مراكش أبعاداً أخرى.
وهذه المبادرة العفوية التي أطلقت عليها جميلة قبل سنوات اسم «قافلة الكتاب» ستذهل الباحثة السوسيولوجية المغربية فاطمة المرنيسي التي انخرطت معها في صياغة مشروع أقوى وأكبر أطلقتا عليه اسم «القافلة المدنية». هكذا التحق الكاتبُ بكتابه، وصارت القافلة فرصةً لعدد من المثقفين والأطباء ومناضلي المجتمع المدني ليتوغلوا في عمق المغرب، ويتفاعلوا مع ساكنة القرى والواحات النائية. هذه التجربة أثمَرَت في وقت سابق كتاباً مذهلاً عن «زاكورة»، إحدى أجمل واحات الجنوب المغربي، كتبه أبناء المدينة بأنفسهم في إطار ورشة للكتابة نُظّمت ضمن فعاليات القافلة، وأشرفت عليها المرنيسي، صاحبة «الحريم الأوروبي» شخصياً.
ولأنّ فاطمة المرنيسي وجدت في جميلة حسون نموذجاً فريداً لمناضلة مدنية متفانية تعمل في صمت، فقد خصصت لتجربتها فصلاً كاملاً من كتابها «سندبادات مغربية: سفر في المغرب المدني» الصادر عام 2004 عن «منشورات مرسم» في الرباط. الكتاب تُرجم مباشرة إلى الإيطالية، ليفتح حلم جميلة مرةً أخرى على مسار جديد. فقد وجدت جمعية السينما المتنقلة «سيني موفيل» الإيطالية التي تعنى بالترويج للثقافة السينمائية بالمناطق المعزولة والنائية في مغامرة جميلة حسون ما يوافق أهدافها. هكذا اتصل الإيطاليون بنادي الكتاب والقراءة الذي تشرف عليه جميلة وقرروا ركوب المغامرة جنباً إلى جنب.
بعد الكتاب جاء دور الصورة إذاً. هكذا أُطلقت مبادرة «من قافلة الكتاب إلى قافلة السينما» التي جابت أخيراً قرى الجنوب المغربي. وكانت الحصيلة 12 عرضاً في 12 فضاءً قروياً. عروض في الهواء الطلق مفتوحة في وجه العموم عُرض خلالها 17 فيلماً سينمائياً عالجت مواضيع الهجرة والتسامح وبعض قضايا المرأة المغربية. وشاهد أبناء المناطق الجبلية والواحات النائية عدداً من الأفلام المغربية الناجحة كـ«الغرفة السوداء» لحسن بنجلون و«الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء» لمحمد العسلي و«إن شاء الله الأحد» للمخرجة الجزائرية يامنة بنغيغي، إضافة إلى بعض أفلام الكرتون وأفلام شارلي شابلن وأفلام توعية أخرى عن مرض الإيدز.
وتفاعل الجمهور المتعطش إلى الفنّ السابع بشكل مدهش مع أفلام القافلة. «الجمعية الإيطالية للسينما المتنقلة» وجدت في القافلة مشروعاً على مقاسها بالضبط. أما جميلة حسون، فلا شك في أنّها تفكر اليوم بجدية في الخطوة المقبلة: بعد الكتاب والسينما، ماذا ستحمل معها لسكّان هذه القرى في رحلتها المقبلة؟