محمد خير
اختلف الناس في أسباب انتشار العامية المصرية في العالم العربي. قال بعضهم إنّها السينما والغناء، فيما رأى آخرون أنّ ذلك يعزى إلى الموسيقى الداخلية التي تنبض بها تلك اللهجة العربية الأشهر. ربما كانت الحقيقة بين هذا وذاك، لكنّ الكاتب سامح مقار يحاول أن يضيف إلى تلك القضية بعداً إضافياً. هو يرى أنّ العامية المصرية ليست ابنة العربية الفصحى ولم تتأثر بفاتحي الجزيرة إلا قليلاً، ومعظم ألفاظها سليلة ملكية تتصل مباشرة باللغة القبطية القديمة. وهي اللغة التي كان يتحدث بها قدماء المصريين، على عكس الخطأ الشائع بأن الفراعنة تحدثوا الهيروغليفية. ذلك أنّ تلك الأخيرة مثلها مثل الديموطيقية كانتا ضمن أشكال الكتابة ولم تكونا لغتين، تماماً كالفرق بين اللغة العربية وخطّي النسخ والرقعة.
يحاول المؤلف في كتابه «اللهجة العامية وجذورها المصرية» (مكتبة مدبولي ــــ القاهرة)، إرجاع معظم الأصوات التي ينطقها المصري إلى أصولها اللغوية الفرعونية والقبطية. استخدم الكاتب قائمة من 59 مرجعاً عربياً و13 مرجعاً أجنبياً، إلا أنّه لا يشير إلى اقتباساته من هذه الكتب في مواضعها من الكتاب، وبدلاً من ذلك وضع في المتن إشارات إلى كتب أخرى قليلة أبرزها «كتاب الموتى» لبدج، وبعضها إحالات إلى كتب أخرى للمؤلف نفسه وهو غير متخصص وإن كان يذكر في مقدمة الكتاب أنّه تلميذ مخلص لعالم المصريات العالمي الدكتور عبد الحليم نور الدين.
يرجع المؤلف عبارة «الحالة جيم» التي ينطقها المصري إذا أراد وصف حالته المزرية إلى الكلمة القبطية «جمو» بمعنى حزن. مثلما أنّ المصري يقول «يا نهار أزرق» لماذا أزرق بالذات؟ لأنّ الأزرق كان لون الملابس الجنائزية عند المصريين. وعندما يصيب المرأة الريفية مكروه، تصرخ «يا حومتي» وأصلها من اللفظة المصرية القديمة «حومت» بمعنى العار، فكأنها تصرخ «يا عاري». وعندما يلوم المصري شخصاً، يقول له «إخس عليك» فإذا به يردد الكلمة القبطية «إخس» بمعنى «شيطاني» مثلما أنّ «إخ ، وبخ» تعنيان «الشيطان» باللغة القبطية.
إن المصري يقول عن الصوت «حسّ» فيقول «حسي عالي» أو «حسها جميل»، والحس في اللغة المصرية القديمة هو الصوت والغناء. كذلك فإن مدخل البيت أو المكان هو «العتبة»وهي أيضاً اسم ميدان شهير في القاهرة، ويعود أصل الكلمة إلى لفظة قبطية هي «أتبا» بمعنى «المقدمة، البداية، القمة».
وبقدر ما يحمل كتاب «اللهجة العامية وجذورها المصرية» من المتعة، بقدر ما تجب قراءته بشيء من الحذر.