بنت جبيل ــ داني الأمين
كما البضائع الصينية التي أخذت تجتاح الأسواق العالمية، بدأت فنون العمارة الصينية تغزو منازل القرى والبلدات الجنوبية، لتضفي نوعاً آخر من العمارة الدخيلة على المنطقة. فالعديد من أغنياء وتجار الجنوب ممن يحاولون التميز في بناء منازلهم، اختاروا أخيراً الأشكال الهندسية الصينية لبناء منازلهم، بعد أن أصبحت الفيلات الكثيرة المنتشرة في أغلب القرى والبلدات متشابهة في ما بينها من حيث الفنون والأشكال المعمارية.
وساعد في نشوء تلك الظاهرة سفر المواطنين اللبنانيين المتزايد إلى الصين بهدف التجارة، ما مكّنهم من الاطلاع على فنون العمران الصيني الذي يأخذ شكلاً هندسياً خاصاً ومختلفاً جداً عن البيوت التقليدية. ففي بلدة ميس الجبل تم بناء منزل على الطريقة الصينية، وكذلك الأمر في بلدات شقرا وحاريص وجويا (قضاء بنت جبيل)، التي تشتهر جميعها بكثرة فيلاتها المنتشرة في كل أرجائها. ولم يلقَ الراغبون في بناء تلك المنازل صعوبة في العثور على مهندسين معماريين قادرين على تطبيق تلك التصــــاميم في لبنان، وقد أسهم أصحاب تلك المنازل بمدّ المهندسين ببعض تقنيات البناء الصيني التي اطلعوا عليها أثناء سفرهم. ويقول عطوف قاروط وهو أحد سكّان بلدة ميس الجبل إن «كل شيء غريب هو بالنسبة إلي مميز، وأسعى إلى تحقيقه، وبحكم تجارتي وسفري إلى الخارج، اطلعت على البناء الصيني المختلف والغريب، فقررت بناء منزلي بشكل مشابه، على الرغم من أنني أدخلت تعديلات كثيرة عليه، مستوحاة من أفكاري الخاصة. فطبيعة عملي في التجارة جعلتني أركز على كل ما هو مختلف ومميز للفت نظر الآخرين دون التخلي عن إدخال نمطي الخاص في تزيين المنزل وهندسته من الداخل». فالمنزل في الظاهر هو مبنيّ على الطريقة الصينية، لكن في الداخل هنـــاك أثـــاث وديكور متنوّع، مأخوذ من دول متعددة، كمصر وإندونيسيا، وماليزيا.
كلفة البناء ليست أكثر من كلفة الفيلات المعهودة والمنتشرة في الجنوب، كما يشرح قاروط، لكن التميز يكمن بالشكل الهندسي المختلف.
أما عامر خلف صاحب المنزل الصيني في بلدة شقرا، فيرى أن «طريقة البناء صعبة ومعقدة، لكن ذلك يجعله متميزاً عن غيره، وهذا هو الهدف الأبرز»، لذلك فهو يتمنى ألّا ينتشر هذا النمط بكثرة في البلدة قريباً. ويؤكد المهندس المعماري إحسان الأمين، على غرابة تلك الظاهرة فيقول: «أصبحت هذه المنازل كعلامات فارقة، للإشارة إلى الأماكن والعناوين، فيكفي أن يقال لك قرب المنزل الصيني لتعرف العنوان الذي تقصده». وعن سبب اختيار هذا النمط العمراني يقول الأمين: «الاغتراب نقل إلينا الكثير من العادات والتقاليد الخارجية، فهناك من قام ببناء منزله على الطريقة المغربية أو الإيطاليـة، والآن للصين مكـان واضـح في عالـم الاغتراب والتجـارة، ما أثر وسـيؤثر على طريقة بناء منازلنا في المستقبل القريب».