باسم الحكيم
تعود تقلا شمعون إلى الشاشة بعد غياب. لكن التلفزيون لم يعد يشفي غليل الممثلة التي سئمت البحث عن أدوار البطولة. فهل يعوّضها فيلم دانيال عربيد الجديد عن تقصير المنتجين وإهمال المخرجين؟

عندما نتحدث عن عفويّة التمثيل وصدق الأداء والتعبير، لا يمكن إسقاط اسم تقلا شمعون التي تتقمص شخصياتها وتتماهى معها ببراعة. الممثلة اللبنانية التي تُكثر من غيابها عن شاشة التلفزيون، وقفت أخيراً أمام كاميرا المخرجة ليليان البستاني في مسلسل الكاتب مروان العبد «مالح يا بحر». تتحدث عن العمل الذي يتناول قضية الإقطاع البحري في ثلاثينيات القرن الماضي: «عندما استلمتُ بعض حلقاته وقرأت السيناريو، أعجبتني الشخصيّة. لكن وجدت أنها تستحق مساحة أكبر من تلك التي أعطاها إيّاها الكاتب، فناقشت الموضوع مع المخرجة. وعلى رغم أن البستاني أكدت أن الشخصيّة قابلة للتطور، لم يحصل التصاعد الذي منّيت نفسي به. ولم ينفّذ ما وُعدت به بأن أشارك في كل الحلقات بعد الحلقة العاشرة... فوجئت بأن مشاهدي كلها محصورة في حلقة واحدة. ولأنني وقّعت العقد، وحضّرت ثياب الشخصيّة، لم أشأ الاعتذار».
لا تضع شمعون سوء النية في حساباتها، بل تلوم نفسها على «غلطة الممثل» الذي يرضى باستلام نصّ ليس مكتوباً حتى النهاية. ومع ذلك، تعرب عن سعادتها بالشخصية، «كنتُ مقتنعة بمواقفها، وأديت الدور بمتعة». وتجسّد شمعون في «مالح يا بحر» شخصيّة صونيا، وهي امرأة متذوّقة للفن، تتبنى المواهب وتساعدها على الانطلاق في عالم الشهرة. ويوم تلتقي مطرباً شاباً (كارلوس عازار)، تغرم به هي وابنتها (عشتروت عون).
تضحك حين تسألها عن الجفاء بينها وبين الأدوار الأولى، وتحيل الإجابة عن السؤال إلى «الكتّاب والمخرجين والمنتجين»، وتواسي نفسها بأنها أدّت بطولة حلقة من برنامج «الحل بإيدك»، جسّدت فيها شخصيّة مركّبة. لكنها تحمّل نفسها المسؤوليّة أيضاً: «أنا مقصّرة لكوني لا أسعى إلى ذلك. ولطالما فكرتُ ببراءة في أنه إذا وجدت بطولة أولى تناسبني، فسيتصلون بي حتماً». لكن الدور المنتظر بقي حلماً في بال شمعون. وبعد هذه السنوات، تعيد النظر في حساباتها وتقول: «كان عليّ المبادرة بالبحث عن نصوص وشخصيّات أرغب في تجسيدها». ولا تنفي مسؤوليّة الكتّاب «الذين تقتصر أعمالهم على الحب والعلاقات الغراميّة السطحيّة»، متسائلة: «لماذا لا تكون البطلة ربّة منزل تنقل الدراما معاناتها؟ أو امرأة مناضلة مثلاً في جمعيّة اجتماعيّة أو سياسيّة؟». وتخلص إلى أن «المشكلة تكمن في أننا نركّز على جيل الشباب وقصّص حبهم. لست الوحيدة المتضررة من ذلك، بل كل ممثلات جيلي يعانين هذا الأمر». هنا، تثني على مسلسل «ابنة المعلّم» الذي كانت مرشحّة لتجسيد إحدى الشخصيّات فيه: «قدّم العمل شخصيّة امرأة ناضجة، وجعلها البطلة». وتعبّر عن إعجابها بكتابات منى طايع «التي تعرف جيّداً كيف تسلط الضوء على قضايا المرأة».
لا تغيب شخصيّة «الداية زلفا» عن بال شمعون، ولا عن بال من تتبّع حلقات مسلسل «من برسومي» للمخرج إيلي أضباشي. لا تزال صورة الدور الذي كلّلته بأدائها المتقن، محفورة في الذاكرة. وهي تعزو نجاح العمل إلى «اهتمام المخرج إيلي أضباشي بأدق التفاصيل من خلال إدارته للممثلين، علماً بأنني كنت آخر من رشّح للدور الذي يحتاج إلى ممثلة متقدمة في السن. وبعدما جرّبوا أخريات ولم يقتنعوا، نصحتهم لطيفة ملتقى باختياري، فهي تراني مقنعة بالأدوار المركبة منذ أيام الجامعة». وإذ تعترف بالجهد الذي قام به أضباشي في سبيل إنجاح المسلسل، ترى أن «الكاتب المثقّف سمير سعد مراد، حمّل الشخصيّة مبادئه وأفكاره ومواقفه، فتميّزت بوطنيتها وبحملها لواء الحريّة، ولواء الحب القادر على شفاء كل الجروح». وتكشف عن عمل «يطبخ على نار هادئة مع الكاتب نفسه»، مشيرة إلى أن «البطلة هذه المرة هي محامية تتولى القضايا الصعبة، وتنصر المظلوم. لكنها تنفصل عن زوجها بعدما يحاول الحدّ من طموحها». وترى أن الشخصية تشبهها إلى حد كبير، «إذ أحاول نصرة المظلوم قدر المستطاع من خلال عملي في نقابة الفنانين».
لطالما كانت شمعون متشائمة من وضع الدراما المحلية، «لأن المحظورات المتعلقة بالدين والسياسة كثيرة». ولكن ألا ترى أي حل يلوح في الأفق؟ تجيب: «نحتاج اليوم إلى أعمال تعبّر عن واقعنا، وعلينا أن نعي أهمية دور الدراما في المساهمة في تغيير المجتمع». كما تشكو من ضعف الإنتاج، وتثني على تجربة «أل بي سي»، لأنها «تسعى إلى إيصال المسلسل اللبناني إلى الدول العربيّة».
بعيداً من التلفزيون، تواصل شمعون عملها في دبلجة المسلسلات «لأنو بدي عيش»، مضيفة «لا أمثّل من أجل المال، وأشارك في دبلجة المسلسلات حتى لا أجد نفسي مضطرة إلى تجسيد أي دور يعرض عليّ». أما بالنسبة إلى السينما، فقد انتهت أخيراً من تصوير دورها في فيلم المخرجة دانيال عربيد «رجل ضائع» (un homme perdu) الذي صور في الأردن ولبنان وفرنسا. يتحدث العمل عن رجل اختُطف أثناء الحرب اللبنانية، فقرر الهجرة. وبعد سنوات، يعود إلى أرض الوطن، ليعيش غربة من نوع آخر. أما شمعون، فتؤدي دور امرأة غامضة يلتقيها البطل (السكندر سيديك) مصادفة في سيارة أجرة.
وعن فيلم المخرج أسد فولدكار «صوت الستّ» المؤجل منذ سنوات، تقول إن مصيره معلّق بسبب «مشاكل إنتاجيّة، وقد ينفّذه في مصر مع ممثلين مصريين». وبعد ابتعادها القسري عن المسرح، تحنّ شمعون إلى الخشبة اليوم، وترى فيها «عمليّة إنعاش، تجدد طاقات الممثل»، آسفة على «عمل كنت أحضِّره مع المسرحي شكيب خوري، بعنوان مبدئي هو «الملجأ»، ألغته حرب تموز».