strong> بشير صفير
  • صوت الكريستال يتعرّى لأوفرووتر وتقاسيمه الجهنّميّة

    المعادلة غير مألوفة: من جهة صوت طربي متمكّن، ومن الأخرى كونترباص عملاق تقمصّته روح الموسيقى الشرقيّة. لقاء فريد في بيروت، هذا المساء وغداً، بين المغنية اللبنانية ريما خشيش وعازف الجاز الهولندي طوني أوفرووتر.
    «يالللّي»... يا لا لا لي!


    في أواسط نيسان (أبريل) 2006، صفقت بيروت طويلاً لريما خشيش التي أحيت أمسيتين استثنائيتين في الجامعة الأميركية (قاعة «أسمبلي هول»). إلى جانبها على الخشبة كان يقف بين العازفين الآخرين رجل الكونترباص، يقيم معها نوعاً من الحوار وينفرد مع المغنية في بعض الأحيان. منذ ذلك الحين يترقب الجمهور اليوم الذي تفاجئهم فيه ريما بأمسية كاملة، مخصصة لحوار ثنائي مع الكونترباص العملاق طوني أوفرووتر. حفلة «الإيفوار» في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه حملت برنامجاً مختلفاً، لم يشارك فيه أوفرووتر أصلاً. قدّمت خشيش، يومذاك، مجموعةً من كلاسيكيات الأفلام العربية الغنائيّة. كان أداء الفرق الموسيقية في الحفلتين غاية في الجمال. اختيرت الآلات لتخدم التوزيع الموسيقي أفضل خدمةً، وتقدّم الأغنيات في الإطار المطلوب ضمن النمط الذي يشكّل أساس مشروع ريما الموسيقي. هذا المشروع القائم على إعادة تقديم روائع التراث الموسيقي الشرقي، بأسلوب يمزج بين مكوّنات الموسيقى الشرقية وعالم الجاز.
    لكننا بقينا متعطّشين إلى لقاء ثنائيّ وحفلة إضافية (وليس بديلة)، يحمل لنا صوت ريما شبه معرّى في تناغمه مع مهارات أوفرووفر الجهنّمية، خلال عملية ترويض آلته وتلقينها أصول الموسيقى الشرقية على طريقته. العازف الهولندي، يرتجل، و«يقسّم» على الكونترباص بسهولة تامة، كمن يعزف على العود أو البزق. ولا غرابة في ذلك، إذا تناولنا الموضوع من باب النسبية في مقارنة بين حجم آلته الضخم وطوله الفارع.
    وها هي ريما خشيش، الفنانة اللبنانية صاحبة الصوت المهذّب، المتمكّن والمتمرّس، تقدّم حفلتين، مساء اليوم والغد، بمرافقة عازف الكونترباص الهولندي الآتي من عالم الجاز، على خشبة «مسرح مونو»، بعد عام على صدور أسطوانتها الثانية «يالللّي» (La CD Thèque). على برنامج العرض طبعاً أغنيات من الأسطوانة المذكورة، كما تتخلّل البرنامج محطات موسيقية ينفرد فيها الكونترباص بمقطوعات خاصة وارتجالات شرقية/ جازية. هذا إضافة الى محطات أخرى، يستريح خلالها طوني أوفرووتر لتقدّم ريما بعض الأغنيات منفردة a capella (غناء من دون مرافقة موسيقيّة).
    اللقاء في تركيبته الفريدة وغير المألوفة (أقلّه في الوطن العربي) يشكّل تحدياً كبيراً لأوفرووتر في الدرجة الأولى، ولريما في الدرجة الثانية. اذ ينبغي للأوّل أن يصمد حتّى النهاية، كي لا يسيطر عليه التعب فيرتدّ سلباً على أدائه أغنية تلو أخرى. كما تقع على ريما مسؤولية تعبئة المساحة الصوتية التي تتولّاها عادةً الفرقة الموسيقية، إضافة الى ضرورة التواطؤ بينها وبين أوفرووتر في عمليّة ضبط إيقاع الأغنيات في غياب آلة إيقاعية.
    ليست هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها هذا الثنائي. إذ سبق أن وردت أغنيتان في أسطوانة «يالللّي» اقتصر فيهما التوزيع الموسيقي على مرافقة كونترباص أوفرووتر لصوت ريما (موشح «لاه تياه» لفؤاد عبد المجيد نصّاً ولحناً، وموشح «عاطفي بكر الدنان» لكامل الخلعي نصّاً ولحناً).
    إنها الحفلة الأولى في لبنان هذه السنة لريما خشيش، الفنّانة المجحفة بحق جمهور يتشوّق الى إطلالاتها النادرة، بقدر ما يتشوق إلى عمل جديد لها بعد أسطوانتيها الاثنتين. الأولى Orient Express (2002) كانت عبارة عن لقاء بينها وبين فرقة «ثلاثي يوري هونينغ» الناشطة في عالم موسيقى الجاز الأوروبي، وتضم إلى أوفرووتر، الموسيقيَّين العراقيَّين باسم حفّار ولطيف العبيدي. حَوَت «أورينت إكسبرس» (قطار الشرق السريع) بعضاً من كلاسيكيّات الأغنية العربية مثل «إمتى حتعرف» (ألحان محمد القصبجي وكلمات مأمون الشناوي)، «ما دام تحب بتنكر ليه» (ألحان محمد القصبجي وكلمات أحمد رامي)، «لا إنت حبيبي» (للأخوين الرحباني)، إضافة الى أغنية Isobel للمغنية الايسلاندية Bjork (وقد كتب لها ربيع مروة كلمات عربية) وأغنية بعنوان Yasutani (لحّنها عازف الساكسوفون يوري هونينغ الذي يحمل الثلاثي إسمه، وكتبت كلماتها ريما خشيش وربيع مروة)، ومقطوعة «بغداد» لمعلّم العود العراقي الراحل منير بشير.
    وبعد طول انتظار، صدرت أسطوانتها الثانية «يالللّي» (2006) التي أتت أكثر استقلالية من «أورينت إكسبرس» لناحية هوية ريما الفنية. وضمّت الى جانب الموشّحين المذكورين آنفاً («لاهٍ تياه» و «عاطِنِي بِكرَ الدِّنان») أغنية «حِبّي زُرني ما تيَسَّّر» (كلمات مجهولة المصدر ولحن درويش الحريري)، ولحن «الشيطان» للشيخ سيد درويش (كلمات عبد العزيز أحمد)، و«سُلَيمى» رائعة خالد أبو النصر (لحناً) ونوفل الياس (كلاماً) التي غنّتها المطربة ذكية حمدان (علماً بأن المطربة نور الهدى تقول في إحدى مقابلاتها إنّها غنّتها قبل حمدان).
    وحَوَت أسطوانة ريما الثانية أيضاً أغنية لعصام الحاج علي «بساط الريح» (كلماته وألحانه)، وأخرى بعنوان «بكفّيني» لربيع مروة (كلاماً ولحناً)، وكلاسيكيَّتَين من موسيقى الجاز هما Gentle Rain للويس بونفا وMy Funny Valentine لريتشارد رودجرز، (كتب كلماتهما العربية ربيع مروة أيضاً، وعنونهما «كيفك يا حب» و«ما بعرف قول»). وأتت «يالللّي» غنيّةً بمشاركات أساسية، أو ثانوية، لمجموعة من كبار الموسيقيّين اللبنانيين أهمّها كانت لبيانو زياد الرحباني في «سُليمى». إذ جاءت في جمل وفواصل ناضجة أبدع من خلالها زياد، متخلياً ـــ بمهارة! ـــ عن «المهارات» لمصلحة ما قلّ ودلّ.
    تجدر الإشارة إلى أن ريما خشيش، شاركت ـــ إلى جانب أعمالها الخاصة ـــ في أعمال لفنّانين لبنانيّين مثل شربل روحانا (ألبوم «العكس صحيح»)، وتوفيق فرّوخ (ألبوم «توتيا»)، وفي أعمال سينمائية لبنانيّة عدّة من محمود حجيج إلى غسان سلهب...

    ريما خشيش وطوني أوفرووتر ـــ اليوم وغداً في مسرح مونو ـــ 8،30 مساء
    للحجز: 01،284715