strong>القاهرة ـــ محمد محمود
بدّلت أحوال المهن التقليدية التي عاصرها المصريون طوال القرن العشرين بشكل «دراماتيكي»، وذلك بعدما تغير إيقاع الحياة واجتاحت التكنولوجيا كل شيء. وحدها مقاهي القاهرة ما زالت تحتفظ بشيء من عزها القديم، إذ تشير آخر الإحصاءات إلى أن عدد المقاهي في مصر كلها وصل إلى 50 ألف مقهى، 70 في المئة منها في العاصمة. انتعش سوق المقاهي إلى درجة وجود أكثر من مقهى في مربع سكني واحد لا يفصلها عن بعضها البعض إلا عدة أمتار، ومع ذلك تمتلئ كل المقاهي عن آخرها معظم الأوقات.
العدد الضخم له مبرر بالطبع وهو زيادة معدلات البطالة، وارتفاع أسعار وسائل الترفيه، ما جعل المقهى ملاذاًَ آمناً للكثيرين. إضافة إلى ذلك لعبت القنوات التلفزيونية دوراً في «دعم» المقاهي وفي تزايد زوارها. يضاف إلى ما سبق «سبب» إعلامي. فعندما تتولى فضائية ما النقل الحصري لحدث رياضي أو فني يزيد عدد زوار المقاهي ليتابعوا من خلالها ما تبثه شاشات التلفزة المشفّرة.
في الوقت نفسه، تعاند «مقاهي المهن» ظروف الحياة القاسية وتحاول البقاء على قيد الحياة. وعلى سبيل المثال تراجعت شهرة مقهى «بعرة» الذي يتجمع فيه الباحثون عن فرص للظهور ككومبارس في الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وذلك بعد اختفاء عدد كبير من الكومبارس وظهور مكاتب «الكاستينغ» التي تستخدم الكمبيوتر والمحمول في استدعاء الكومبارس التابعين لها، ونادراً ما تبحث عن «زجزه جديدة»، بينما جرت العادة في الماضي أن يحضر إلى مقهى «بعرة» لاختيار عدد من الجالسين والذهاب بهم إلى البلاتوه.
الأمر نفسه ينطبق على مقهى الطباخين المجاور لقصر عابدين، فمع مرور الزمن انقرضت مهنة الطباخ و«السفرجي» من قصور الأمراء والباشوات والأثرياء، وصار قدامى الطباخين يلتقون في المقهى في فترات متقطعة، وقد توفي عدد منهم.
وهنا يجدر التنبيه إلى أن تلك المقاهي لا تفتح أبوابها فقط لأرباب مهنة واحدة كما قد يظن البعض، فهي مفتوحة للجميع، لكن لكل مقهى شهرة جعلت أبناء مهنة معينة يلتقون فيه، وقد ترتبط شهرة المقهى بالمكان الذي يفتتح فيه مثل مقهى «الآلاتية» في شارع محمد علي الشهير بمحلات صناعة الأدوات الموسيقية، لذلك يقصد العازفون «البسطاء» أو المزيكاتيه هذا المقهى، ولكن عددهم يتناقص بشدة بعد انتشار الموسيقى الإلكترونية والعارفين بها أي الـ«DJ»، وللحلاقين مقهى أيضاً يتقابلون فيه كل يوم إثنين فقط، وهو يوم الراحة الأسبوعية بالنسبة إليهم. يقع المقهى في شارع نجيب الريحاني في وسط البلد قرب متاجر مستلزمات أدوات الحلاقة، ويتجمع العاملون في المقاهي المنتشرة في أنحاء القاهرة في مقهى «القهوجية» في منطقة الموسكي بميدان العتبة.
وعلى نفس «المنوال»، توجد مقاهي «الخبازون» و«عمار المعمار» و«النجارين» وغيرها، لكن الجديد في إطار المقاهي الفئوية وجود مقهى للصم والبكم في وسط البلد نادراً ما يجلس فيه شخص يتكلم، ويتحدث الزبائن مع العاملين فيه بالإشارة فقط.