نجوان درويش
يبدو أن المدوّنين عبر الإنترنت (البلوغرز) في طريقهم إلى منافسة نقّاد الأفلام، فقد وجّه أحد كتّاب مدوّنة «إسكندرانيه» (www.eskandaranaya.blogspot.com) رسالة يدعو فيها أصحابَ المدوّنات في الإسكندرية إلى حضور عرض خاص لفيلم «جُزر» للمخرج الشاب محمد صلاح، والعرض لـ«أصحاب المدوّنات وبس». وعلى «المدوِّن» أن يترك اسم مدوَّنته على الباب عند دخوله إلى العرض الذي يُقام غداً الخميس في المركز الثقافي الألماني، على أن يقوم كل مدوّن بالكتابة عن الفيلم على صفحات مدونته «بالسلب أو بالإيجاب».
ويدعو «البهظ» أو «بهظ بيه» ــ كما يسمّي نفسه ــ إلى «إنشاء علاقة بين المدونين ككتّاب مستقلين والسينما المستقلة... تعالوا ننشئ مجتمعاً مستقلاً له كتاباته وفنه وحركاته السياسية». المجتمع الذي يدعو «بهظ بيه» إلى إقامته يمكن تسميته «مدينة الإنترنت الفاضلة».
العرض لـ«فيلم مستقل» قُدّم في إطار فعاليات الدورة الأخيرة لأفلام الديجيتال في مهرجان برلين. ويبحث «جُزر»، في إحدى قصصه الخمس التي تشكّل الفيلم، الحياة الافتراضية التي يعيشها شبّان عبر شبكة الإنترنت والمجتمع الإلكتروني الذي يكوّنونه في الجغرافيا البشرية التي تشكّل الجزر المعزولة.
وعليه، هناك علاقة واضحة بين طبيعة الفيلم وموضوعه وبين دعوة المدوّنين إلى مناقشته، إذ يبدو «جُزر» معبّراً عن الواقع المحتقن الذي تعكسه ظاهرة المدوّنات. هذه الظاهرة التي أخذت تنتشر في مصر وغيرها من البلدان العربية، وتبدو متنفّساً ومساحة تعبير، تعكس الاختناق الذي تعيشه الأجيال الجديدة في مجتمعات تحتكر وتراقب السلطةُ معظم وسائل التعبير فيها.
فيلم «جزر» لم يلقَ اهتماماً من لجان تحكيم بعض مهرجانات الأفلام المصرية التي شارك فيها، بحجة أنه يمثّل «تغريباً» يتجاوز «التجريب» المألوف. وعليه، يبدو أن نقد هذه الأفلام التي تمثل تجربة «مغايرة» للغة التجارية السائدة سيتم في «العالم الافتراضي» الذي تمثله المدوّنات. وتجدر الإشارة إلى أن مدينة الإنترنت «الفاضلة» التي يبشر بها «بهظ بيه» لا تشبه عالم المدونين أنفسهم، فقلة من هؤلاء تكترث للقيمة الفنية للأعمال السينمائية، وتخصص بعض المدونات صفحاتها للترويج للأعمال الفنية التجارية، كما يجد مدونون آخرون في صفحات الإنترنت فسحة لنشر ما ترفض المجلات والصحف نشره.
على أي حال لا يمكن إنكار أهمية الدعوة إلى تأسيس مجتمع يؤمن بالحرية لكل أفراده ويدعم النشاطات الثقافية والفنانين المستقلين البعيدين عن «لعبة السوق»، حتى لو كان هذا المجتمع افتراضياً.