strong> عبد الغني طليس
يقبل شكري أنيس فاخوري على كتابة النصوص التلفزيونية، كأنه يموت غداً. ويطيل في عدد الحلقات وأعمار شخصياته، كأنه يعيش ويعيشون أبداً! إنها لعبة الكاتب الذي أحدث انقلاباً أبيض في النصوص الدرامية أواخر الثمانينات عبر «عاصفة» هبّت... ثم راحت تتكرر وتستعاد، متشابهة إلى حدّ الالتصاق والتماهي حيناً، ومختلفة الأحوال والمضامين أحياناً. وذلك بلغة تلفزيونية نابضة، تخرج من واقع الحياة لا من توهّمها. أجمل ما في شخصيات شكري أنيس فاخوري أنك تحبها. هي شخصيات قريبة، مألوفة، وفي الوقت عينه غريبة وصادمة، تنحاز إليها في سرّائها وضرائها، ويمتدّ خيط من الدفء الإنساني بينك وبينها... إلا عندما يقرر هو أن يحوّل في تركيبتها النفسية أو في مزاجها لضرورات درامية أو إنتاجية. عندها، يجبرك على الرضا على ما يفعل من دون أن يلتفت الى أنه قد «يدهور» العلاقة التي نشأت بينك وبين هذه الشخصيات. يحدث ذلك أيضاً في بعض الحلقات الأولى من أي مسلسل يكتبه، عندما يقدم لك الشخصيات متسرعاً مستعجلاً. وفي السرعة والعجلة ندامة، قد لا يتنبّه شكري إليها، إلا بعد مرور وقت وحلقات وتطورات درامية جدية تدفع إلى المقارنة بينها وبين البدايات التي يبدو فيها الكاتب كمن يقول: هذا ما أردته، فخذوه كما أردته لا كما تقتضي طبيعة بناء الشخصيات في الرواية التلفزيونية الصحيحة، واعذروني. وأحياناً لا يعتذر معتقداً أنها... تمرّ!
على أن السيئ في الدراما التلفزيونية التي يضعها شكري فاخوري، هو ذلك الروتين في نوعية التعبير عن الشخصيات: فالمرأة المنحرفة مثلاً عنده لها شكل واحد تقريباً، يقدمه كل مرة مع تعديلات طفيفة تكاد لا ترى. والرجل السكّير يسير في سكة واحدة نادراً ما تتغير، والفتاة العصرية أو الشاب العصري، تعبر مشاكلهما في نفق واحد أو تطير في أفق واحد، من دون أي خصوصية إلا لماماً. على رغم أن مواقف غريبة عدة قد تطرأ على سلوكيات أي امرأة منحرفة أو رجل غير سويّ، وأنماط عدة من الطبائع قد تسيطر على حياة أي جيل شاب. وبالإمكان التقاط ذلك من تجارب الحياة أو في الكتب الروائية أو في الدراسات الاجتماعية والنفسية أو حتى في الأعمال السينمائية والتلفزيونية المعروفة التي يفيد الاطلاع عليها في إغناء المخيّلة.
فلماذا يعتمد شكري فاخوري «صورة» واحدة لا غير تقريباً؟ ويقدم أفكاراً معينة لا غير نسبياً؟ وينتهج أسلوباً واحداً لا غير في تقديم شخصياته؟ فيقدّم معها من حيث لا يدري إشارات وبراهين على أنه مكتفٍ بما «يراه» هو، ومصرّ على أن النتيجة، أي نتيجة قد تصل إليها شخصية ما في الواقع اليومي، يمكن أن تأتي من سبب واحد: فالخيانة الزوجية تأتي من «النقص» فقط أو من الحاجة المادية لا من البطر أحياناً أو من أي سبب آخر. كما إنّ الفتاة لا تنحرف إلا إذا كانت تهدف إلى جمع المال والثراء السريع، مع أن ثمّة فتيات يجنين الثروة من تجارات ممنوعة أو من النصب أحياناً. وقس على ذلك من الأمور والأمثلة التي يمنحها شكري فاخوري وصفة أوتوماتيكية، تفرض نفسها في كل مسلسل!
كثرة النصوص فعلت هذا بشكري فاخوري؟ ربما. ندرة الوقت الذي بقي عنده للقراءة؟ ربما. اعتماد المنتجين على اسمه النظيف أكثر من اعتمادهم على «المكتوب» على الورق؟ ربما. لكنّ صناعة الكتابة علّمت فاخوري تدارك المخاطر. وكما يجنّب بطلاً في روايته الوقوع في هوّة، قادر أن يجنّب نفسه ذلك!