محمد خير

لقد خذل المنشد الأذربيجاني سامي يوسف محبّيه، حين أعلن أنّه ليس «مطرباً دينياً». وراح يواجه انتقادات حادّة في مواقع إلكترونية بينها «العربية.نت»... كيف سيتقبّل الجمهور أغنياته الجديدة عن الجوع والفقر والعولمة؟ هل صديق عمرو خالد يسعى مثله إلى توسيع دائرة انتشاره؟

لم يرحم سامي يوسف جماهيره المحبّة في إحدى مقابلاته الصحافية الأخيرة، ففاجأها بقنبلته المدوّية: «أنا لست مطرباً دينياً، أنا فنان إنساني، أغنّي أيضاً عن الجوع والفقر والسلام والعولمة».
قبل أن يستفيق الجمهور من صدمته، عالجه يوسف بالضربة القاضية، إذ اعتبر أن بيتهوفن وموزارت قدّما «فناً إسلامياً»، لكون موسيقاهما لا تتناقض مع الأخلاق! بل إنه تحدّث أيضاً عن أم كلثوم في تصريحاته لصحيفة «الخبر» الجزائرية... صحيح أنّه تناول «كوكب الشرق» في سياق عملي بحت، عندما كان يظهر أهمية فريق العمل في المساهمة في نجاح الفنان، إلا أنّ مجرد إدراجه اسم صاحبة الآهات التي طالما انتقدها الشيخ كشك، كان تعدّياً على منظومة مقدّسة ومتكاملة، لا تدخلها ــ ولا يجب أن تدخلها ــ الحناجر المتراقصة، وخصوصاً «الحريمي» منها.
ويبدو أن يوسف البريطاني (وهو من أصل أذربيجاني)، الشاب العشريني الذي لا يجيد العربية، ولا يجيد بالتالي التعامل مع أصحاب الذهنية العربية، وخصوصاً المتحمّسين منهم. قد يصعب عليهم فهم رفضه تصنيف نفسه مطرباً دينياً، على أنه محاولة لتوسيع المساحة التي يتحرّك فيها، والوصول إلى جمهور أكبر. هنا، يعزو هؤلاء رفضه التصنيف كمطرب ديني، إلى أحد الأسباب التالية: إما تعالياً عن حشر نفسه في إطار الدعوة، وإما ابتعاداً عن «اللون الإسلامي» تقرّباً من غير المسلمين، وإما مغازلةً للغرب.
كيف تتّسق الاحتمالات (الاتهامات) الثلاثة مع حقيقة كون يوسف قد بنى شهرته على الغناء الديني؟ وكيف يبتعد عن اللون الإسلامي، في وقت بنى فيه شهرته على «الفن الإسلامي»؟ الإجابات هنا لا تهمّ، فالمنطق ليس له مكان، والدليل أن الاتهامات المذكورة قد صدرت فعلاً عن منتديات «ملتزمة» على شبكة الإنترنت، وأن التعليقات الغاضبة على موقع «العربية.نت» الذي نقل أجزاءً من حواره مع الصحيفة الجزائرية، إضافة إلى صحف إلكترونية إسلامية، رأت تشابهاً بين ما أصدره سامي يوسف من تصريحات، وما اتبعه الداعية عمرو خالد من خطوات في الفترة الأخيرة. سامي وعمرو هما وجهان شابان أنيقان ومؤمنان، والثاني هو الذي قدّم الأول في برامجه بعدما تعرّف به في أوروبا... هما وجهان لعملة تتّكىء على الدعوة الرقيقة، وعلى الموسيقى. هكذا استطاع نجما إسطوانات الكمبيوتر، كلّ على طريقته، جمع ملايين المحبّين من الشباب. وكلاهما يتعرّض لهجوم سلفي شديد الوطأة، يشنّه الذين يريدون إثبات أنّهم هم «الأصل». أما خالد الذي جرأ على زيارة الدنمارك، وسامي الذي «يهوى الفن الكلثومي»، فقد برهنا عن «طيش» قد يؤدي إلى هلاكهما، لو استمرّا به.
مع ذلك، فإن جماهيرية سامي الواسعة التي لن تهتزّ بسهولة ــ على رغم التصريحات الصحافية ــ قد نشأت أصلاً على أرضية دخيلة على ثقافة «إسلام الشرق»: أرضية «الموسيقى» غير المحببة، المحرّمة قطعاً عند كثيرين، بمن فيهم شباب يستمعون إليها، نادمين على «المعصية»، وهي مكروهة عند بعضهم ممن هم أكثر «استنارة». وفي جميع الأحوال، ليست الموسيقى مما يتّسق والصورة الدعائية للمسلم الملتزم. وإن كان لا بدّ منها، فالغلبة قد تكون للدف، تلك الآلة الإيقاعية الرتيبة التي لا تداخلها شكوك «غناء الشيطان». لا يلتزم سامي بالدفّ وحده قطعاً، وإن كانت آلات الإيقاع تطغى على موسيقاه، مستخدماً حيلاً صوتياً تجعل المستمع لا يكاد يلحظ الفارق. لا يرى الجمهور في المغني سوى مسلم حديث عصري وسيم و«شيك»، أثار إعجاب الشباب بكل ما يخصّه من صورة قبل الصوت. أما جودة ألحانه وفنيّاتها، فهي النتيجة الطبيعية للدراسة الصارمة في الأكاديمية الملكية للموسيقى في لندن، ولا وجه هنا للاستسهال أو لمنطق الملحّنين الذين صنعوا شهرتهم في العالم العربي من دون أن يستطيعوا حتى قراءة النوتة.
هل يتدخل سامي في صياغة رؤية أي فيديو كليب يعمد إلى تصويره؟ لا أحد يعرف. سيناريو اللقطات الأشهر ليوسف تحكي يوميات المسلم المتسامح والمهذب: يقبّل يد أمه في الصباح، يساعد الكفيف على عبور الطريق، يؤمّ الأطفال في الصلاة. إنه المسلم كما يجب أن يكون. ما هي مهنته «في الكليب»؟ مصوّر فوتوغرافي، مهنة أخرى ملغّمة وفقاً للمتشددين. ربما ليس لمصلحة سامي أن يتحدّث كثيراً إلى الصحافة، وخصوصاً العربية منها، حتى لا يجد نفسه وسط حقول الشوك التي طالما استطاع في أغانيه أن يتجنّبها.