محمد رضا
  • تارنتينو وكوستاريتزاوالأخوان كوهين وورثة تاركوفسكي

    بدأ العد العكسي لافتتاح «مهرجان كان السينمائي الدولي» الذي يدشّن مرحلة جديدة، مستضيفاً بعض أقطاب الفنّ السابع في العالم، وبينهم ورثة المعلّم الروسي أندريه تاركوفسكي: زوخوروف وبيلا تار وأندريه زياغنستيف

    «مهرجان كان السينمائي» بلغ الستّين، أو هكذا قرر القيمون على تلك التظاهرة السينمائية، الأعرق والأقدم في العالم، لاغين بذلك الدورة الأولى المجهضة في الأول من أيلول (سبتمبر) 1939، أي في اليوم الذي قررت فيه القيادة الألمانية إرسال جيشها لاحتلال بولونيا. يبدأ تاريخ المهرجان، رسمياً، من العام 1946 عندما انتهت الحرب العالمية وعاد لفرنسا سعيها الدائم لتبوّء مركز الصدارة العالمية فنّاً وثقافةً. في تلك السنة، اختير 11 فيلماً رابحاً من أصل 52 فيلماً (لم يكن هناك غير المسابقة الرسمية). وكان الفنان الراحل يوسف وهبي بين أعضاء لجنة التحكيم في الدورة الأولى، وهي المرّة الأولى والأخيرة التي ضمت تلك االجنة فناناً عربياً. وكان بين الأعمال المشاركة، فيلم محمد كريم «دنيا»، لكنّه خرج خالي الوفاض.
    ستون عاماً مرّت، شهد العالم خلالها، كثيراً من المتغيّرات التي انعكست حكماً على صناعة السينما. «مهرجان كان السينمائي الدولي» في دورته الحالية التي تنطلق بعد غد وتستمر حتى 27 من الشهر الجاري، يؤكد احتفاظه بالمركز الأول بين المهرجانات العالمية، لأنه عرف كيف يستوعب المتغيرات ويتأقلم معها. وهو يحتفل بعيده الستّين بأكثر من طريقة، بدءاً بفيلم خاص عنوانه «لكل سينماه». يشارك فيه 33 مخرجاً من 25 دولة. مُنح كلٌ منهم ثلاث دقائق ليعبّر عن كيفية رؤيته للجمهور في «صالة الأفلام». وسيُعرض الفيلم الاحتفالي في 20 الجاري، وفي الليلة نفسها، (في بادرة هي الأولى من نوعها)، يشاهده الجمهور العريض على القناة الأولى من التلفزيون الفرنسي.
    مخرجان عربيان على قائمة السينمائيين المحتفلين بستينيّة «كان»: يوسف شاهين وإيليا سليمان. أما الأسماء الأخرى فعلى درجة من التنوّع، نشير بينها إلى اليوناني تيو أنجلوبولوس، والصيني تشن كايغي، والأميركي مايكل تشيمينو، والمكسيكي إليخاندرو غونزاليس إياريتو، والإيراني عبّاس كيورستامي، والفرنسي كلود لولوش، والبرتغالي مانويل دي أوليڤييرا، والبريطاني كين لوتش، والبولوني ـــ الفرنسي رومان بولانسكي، والإيطالي ناني موريتّي....
    تقدم المسابقة الرسمية في كان الرسمية 21 فيلماً، بعضها بتوقيع مخرجين كبار سبق لهم أن حصدوا جائزة «السعفة الذهبية» في الماضي. الا أنّ حضور المخرجين الجدد، هو الطاغي، في مختلف أقسام المهرجان، إذ تضم المسابقة الرسمية 13 مخرجاً يشاركون بعمل أول.
    ومرّة أخرى تسيطر اللغة الإنكليزية على البرنامج، ليس فقط بسبب سيل المشاركات الأميركية في المسابقة وخارجها، بل بسبب قيام بعض المخرجين غير الأميركيين باسناد أدوار البطولة في أفلامهم إلى ممثلين أميركيين. وخير مثال على ذلك فيلم الإفتتاح «لياليّ بطعم التوت» للمخرج وونغ كار ـــ واي. وقد سبق لهذا المخرج (صيني من هونغ كونغ، وُلد في شنغهاي)، أن قدّم كل أعماله السابقة بنفحة صينية فنّية معاصرة. الا أنّ فيلمه «لياليّ بطعم التوت» يحكي قصّة تقع أحداثها في أميركا، وتدور حول إمرأة تبحث عن معنى الحب وعن الحبيب المناسب. المرأة ليست سوى المغنية نورا جونز والحبيب ـــ الذي قد يكون مناسباً ـــ هو جود لو الذي يظهر في مشهد واحد من الفيلم. هناك أيضاً فيلم أمير كوستاريتزا «عدني بذلك» الناطق بالإنكليزية، وهو من بطولة جون سافاج الذيٍ لم ينل حتى الآن نصيبه من التقدير. وبين الأفلام الناطقة بالانكليزية أيضاً، «على الطرف الآخر» آخر أعمال المخرج الألماني، من أصل تركي، فاتح أكين الذي خطف «الدب الذهبي» في مهرجان برلين قبل ثلاثة أعوام عن فيلمه «إصطدام مباشر».
    وتطول قائمة الأفلام الأميركية المشاركة في الدورة الستين من «مهرجان كان»، من «علامة الموت» فيلم كوِنتين تارانتينو العنيف... الى شريط بيوغرافي لجوليان شنابل بعنوان «لباس الغطس والفراشة» (وتؤدي الفلسطينية هيام عبّاس أحد أدوره الأساسية)، مروراً بجديد الأخوين كوهين «لا بلد للعجائز»، والعمل البوليسي الحديث «نملك الليل» لجيمس غراي (بطولة واكين فينكس ومارك وولبرغ وروبرت دوڤول). هذا من دون أن ننسى طبعاً «زودياك» فيلم ديڤيد فينشر الذي يستند فيه الى قصّة واقعية من سبعينيات سان فرانسيسكو، ويدور حول تحقيقات يقوم بها تحريٌّ (مارك روفالو) وصحافي (روبرت داوني جونيور ) ورسام كاريكاتور (جايك جيلنهال)، وتتعلّق بجرائم متسلسلة ارتكبها قاتل واحد، وبقيت ملابساتها غامضة إلى اليوم.
    وإذا كان لا بدّ لكل دورة من «أقطاب» وعمالقة يصنعون بريقها، فما بالك بالدورة الستين؟ يشهد هذا العام قسطه من النجوم... هناك قامتان سينمائيتان، يستحيل أن يخرج صاحب احداهما بجائزة، الا على حساب الآخر. الأول أسمه ألكسندر زوخوروف والثاني اسمه بيلا تار. ألكسندر زوخوروف (روسيا) يأتي بفيلم «ألكسندرا» الحافل بالمشاهد الداخلية الحميمة، الداكنة. وبيلا تار (المجر) يطل بفيلم رمادي مشبع بالغموض، هو «رجل من لندن» المقتبس عن رواية بوليسية للكاتب الفرنسي جورج سيمنون. وما يجمع بين هذين الفيلمين هو أسلوب العرض القائم على كاميرا تتأمّل أكثر مما تهتم بالسرد. ويشارك بيلا تار فيه للمرة الأولى، بفيلم يعتبر الأخير الذي حمل إسم المنتج الفرنسي أومبر بالزان قبل انتحاره العام 2005.
    من الأفلام المشاركة أيضاً في المسابقة، نشير إلى «النفي» للمخرج الروسي أندريه زياغنستيف، وهو الفيلم الثاني لسينمائي استلهم الكثير من شاعر السينما أندريه تاركوفسكي، مثل زوخوروف وبيلا تار. فيلمه الأول «العودة» (2003) فاز بـ «ذهبية» فالنسيا. ويتوقّع كثيرون أن«النفي»، سيشكّل الإضافة النوعية التي تنتظرها السينما الروسية أن طال احتاكر زوخوروف لرمز الجودة والنوعية والتفرّد.
    من الأعمال الأخرى: فيلم الأميركي غس ڤان سانت الجديد «منتزه بارانويد بارك»، و«استيراد وتصدير» للنمساوي أولريخ سيدل، و«الضوء الصامت» للمكسيكي كارلوس ريغاداس (لفت الأنظار قبل ثلاثة أعوام بفيلم «يابان»)، و«أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان» لكرستيان مونجو (رومانيا)، و«أشعة الشمس السريّة» للكوري الجنوبي لي تشانغ - دونغ، ثم «تنفّس» لمواطنه كيم كي ـــ دوك ومن اليابان «غابة موري» لنعومي كاواسي.
    السينما الأوروبية تتمثّل أيضاً بفيلم كاترين بريّا «عشيقة قديمة،» وبفيلم كريستوف أونوري «أغاني الحب» وكلاهما من فرنسا. علماً أنّ لجان الإختيار لم تجد بين الأفلام البريطانية والإيطالية والأسبانية والإسكندنافية ما يستحقّ الاهتمام هذا العام، ما يشكّل غياباً فادحاً لروافد أساسيّة في المشهد السينمائي الأوروبي. ومن مفاجآت الدورة الستين فيلم مأخوذ عن الشرائط المصوّرة الشهيرة التي قدمتها الفنانة الايرانية مرجان سترابي قبل سنوات، ويحمل الفيلم (رسوم متحرّكة) عنوان الكتاب نفسه: «بيرسيبوليس»، وقد حققته مرجان سترابي مع فنسنت بارونو، وهو من إنتاج فرنسي ــ إيراني مشترك.
    ولا بد من الاشارة إلى فيلم Tehilim للمخرج الاسرائيلي رفاييل نجاري من بطولة ميشيل موشنوف وليمور غولدستين. ويتناول قصة عائلة يهودية تعيش في القدس حياةً عاديةً، إلى أن يتعرّض الوالد لحادث سيارة فيختفي بطريقة غامضة. يحاول أعضاء العائلة التأقلم مع هذا الغياب ومواجهة صعوباته اليومية. وبينما يلجأ كبار العائلة إلى الصمت أو الدين، يقرّر الولدان دافيد ومناحيم البحث عن الوالد على طريقتهما. والمعروف عن هذا المخرج أنّه يركّز في أفلامه على العائلة وعلى مكوّنات الهوية اليهودية. أما السينما العربية فقررت الإستئناف.... هي في طريق والعالم كله في طريق آخر!
    ويشارك هذه السنة المخرج المشاغب مايكل مور خارج المسابقة الرسمية بفيلمه الوثائقي «سيكو» بعد ثلاث سنوات على حصوله السعفة الذهبية في المهرجان عن «فهرنهايت 9/11». كما يُختتم المهرجان بفيلم «عصر الظلمات» للمخرج الكندي دنيس أركان الذي يواصل فيه انتقاده للمجتمعات الاستهلاكية الغربية، وتركيزها على الماديات.
    وتضم لجنة التحكيم التي يرأسها السينمائي البريطاني ستيفن فريرز: الممثلة ماجي شونغ (هونغ كونغ)، و الممثلة توني كوليت (أستراليا)، الممثلة والمخرجة دو ماريا دو ميديروس (البرتغال)، الممثلة والمخرجة ساره بولي (كندا)، المخرج الايطالي ماركو بيلّوكيو، المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، وصاحب نوبل التركي أورهان باموق، ومن الممثل الفرنسي البارز ميشال بيكولي.