strong>عبد الغني طليس
لم يتعب الملحّن سمير صفير منذ ما لا يقلّ عن عشرين عاماً... تتنقّل ألحانه كالغزلان من صوت إلى آخر. بعض هذه الغزلان أصلية، وهي الأكثر حضوراً، وبعضها الآخر... «شاردة». وبين هذا وذاك، بنى صفير مكانة مرموقة بين أبناء جيله، أثارت غيظ ملحّنين سبقوه، فنال منهم ما لا يحصى من الانتقاد، الظالم غالباً. أمّا أبناء جيله فنظروا إليه بحسد حيناً، وبإعجاب حيناً آخر. وفي الحالتين، كان صفير محطّ كلام...
أراد سمير صفير أن يكون مغنّياً في البداية. قدّم مجموعة من الأغاني، لكنه سرعان ما اكتشف في ألحانه قوّة تأثير أكبر. ثم صاغ ألحاناً قليلة جداً، فرضته رقماً، يحسب له حساب، قبل أن يحتلّ مرتبة بارزة بين الملحّنين الذين اختارهم المخرج سيمون أسمر، ليحتكر تقريباً جهودهم التلحينية لمصلحة نجومه: متخرّجي برنامج «استديو الفن». أظهر سمير مقدرة فائقة في تركيب اللحن اللبناني الصافي أو ذي الجذور الصافية المنسجمة مع إيقاع العصر. تعلّق به سيمون أسمر كمن وجد بين يديه لقية فنية حقيقية. وخلال سنوات قليلة نسبياً، كان اسم صفير يتردد في برامج أسمر التلفزيونية الذائعة الصيت والأكثر انتشاراً لبنانياً وعربياً. كان يُذكر مرات ومرّات في كل حلقة، حتى إن ثمة من أطلق على برامج أسمر: «برامج أسمر وصفير»، في معرض الدلالة على أن المادة الموسيقية التي يضعها صفير، توازي في مساحتها وتأثيرها الإعداد والإخراج اللذين يميزان برامج أسمر. وهذا ما عاد وترجمه صفير بعد نشوء خلاف مع أسمر، عندما تباهى بأنه شريك في صناعة برامج أسمر التلفزيونية، مثل ما هو شريك في صناعة نجوم هذه البرامج. وقد اعترف له بعض النجوم بما ينسبه هو لنفسه من فضل عليهم، في حين تنكّر له آخرون، معتبرين أنهم نجوم من قبله ومن بعده، وربما من قبل برامج أسمر ومن بعدها!
سمير صفير ملحن تطيعه موهبته. يتمتّع بسلاسة تقدم لحناً بسيطاً جميلاً، وبصنعة تضيف إليه تقنية. عنده من الموهبة والمراس ما لم يتوافر في كثير من الآخرين الذين سبقوه أو لحقوه، وجذبهم توجّه واحد وأسلوب واحد فتحددت ملامحهم وضاقت ملاعبهم. أما هو، على رغم سعة المساحة التي يتنقّل فيها أنغاماً وإيقاعات وضروباً تلحينية شتى، فقد حافظ على جمالية فنية واضحة. أثبت جدارة في التنويع، معبّراً عن طريقة يمكن تسميتها «طريقة سمير صفير»، أو بالتحديد «شخصية» سمير صفير، متفوّقاً على كثر عدّوا أنفسهم منافسيه. لكنهم ضاعوا حقاً في دروب تلحينية متفرقة، قد يغزر فيها الإنتاج، إلا أنها تفتقد إلى الهوية الإبداعية الخاصة، لتصبح ألحانهم من كل وادٍ عصا!
إلا أنه في مرحلة من المراحل «الإنتاجية» الكثيفة، انساق سمير صفير خلف «الطلب عليه» من جماعات المغنين والمغنيات، وتراخى أمام الإغراء فأوشك على الوقوع في المطبّ الاستهلاكي، بل وقع فيه لبعض الوقت. هكذا جاءت ألحانه خلال هذه المرحلة «مستعجلة»، تأخذ من قديمه هو أو من قديم بعض الآخرين وتلبي حاجات الفنانين... وحاجات السوق. وهذه المشكلة تواجه كل الملحّنين الناجحين الذين يتهافت عليهم أهل الغناء، فيتجاوبون معهم رغبة في كسب مادي مشروع ومبرّر. وعندما يستدركون المسألة، بعد وقت طويل، يكون قد سبق السيف العذل!
مع سمير صفير، لم يسبق السيف العذل. تنبّه، وأعاد ترتيب أوراقه الفنية. درس إمكاناته مجدداً، وتقدّم. وهذه المرة مع أصوات بعض الفنانين العرب فضلاً عن اللبنانيين. أدرك أن إدارة أعمال المغنّين ليست له، وأدرك معها أن التلحين هو المكان الأفضل ليبقى صوته مسموعاً.
عشرون عاماً من حياة سمير صفير، والمعارك أغلبها رابحة.