strong> رنا حايك
يبدأ غداً في مسرح المدينة عرضا «حياة المرأة الســـــــــرية» و«أسرار الرجال» للمخرج والمؤلف المسرحي شريف عبد النور. استوحى مؤسس «فرقة مسرح العرب» مواضيع عرضيه من شهادات ويوميّات مشاركين ومشاركات في ورشات العلاج الدرامي التي أدارها لمدة سنتين، فكشفت له مشاكل الجنسين غير المباحة في المجتمع اللبناني. هكذا شكّلت 750 صفحة من يوميات 52 امرأة، المادة الأساسية لمسرحية «حياة المرأة السرية» التي عُرضت لمدة أسبوعين عام 2005.
«حياة المرأة السرية» عبارة عن شهادات تعكس ما تواجهه المرأة من قمع مزدوج تتعرّض له في مجتمع ذكوري من جهة، وما تسهم به هي شخصياً في بعض الحالات من جهة أخرى. فالأحكام التي يصدرها هذا المجتمع لا تقتصر على سيطرة الرجال فحسب، بل هناك أخرى تمارسها المرأة في حقّ المرأة الأخرى: تربية الأم لابنتها، صراعات النساء التي يتبادلن خلالها أفظع الشتائم، دخول المرأة دوامة الاستهلاك والتنميط الجسدي. ففي أحد المشاهد، تخاطب فتاة والدتها: «ما بـــــدّك ايّاني كلّني، بدك نصّي. بتهينيني وبتضربيني لأنو ما بدّك إتهـــــــــنّى بجسمي وإستمتع فيه. ما بدّك إعترف أصلاً إنو عندي جسم». وبينما تزور أخرى الطـــــبـــيب بعدما تلقّت ضرباً مبرحاًَ من والدها على عضوها التناسلي فحرمها إمكان الإنجاب، يسمّي الطبيب ما أصابها بالـ«حادث»!
ينتقد عبد النور العنف والقمع اللذين تتعرض لهما المرأة. إلا أنّه لا يضعها في موقع الضحية بتاتاً، بل يرى أيضاً أنّها مسؤولة عن هذه الممارسات وتسهم أحياناً في تكريسها. فهي تشارك في تنميط صورتها من دون أن تعي ذلك. تشرح الممثلات ذلك حين يصطففن على المسرح، ويبدأنَ وهن يسبحن في ضوء أحمر، بتلاوة نصائح تهكّمية ساخرة للمرأة: «احشري حالك بهالبنطلون، البسي سوتيان سحرية واستعملي كريم لتنحيف الفخدين وشاكوش وسكينة ليصير عندك منخار جديد بعد أسبوع، وماتنسي 2 كيلو ماكياج عوشّك».
صورة الذكر النمطية
أما «أسرار الرجال»، فهي مقاربة مسرحية تُعدّ الأولى من نوعها لموضوع حياة الرجل وتصرّفاته وصورة الذكر النمطية التي يجبر على التقيّد بها منذ طفولته. فالبكاء ممنوع والحساسية المفرطة عليه تفاديها فيما يرتبط مقياس رجولته دوماً بمدى فحولته وبنوعية أدائه الجنسي. وهذا ما يفسّر كثرة استهلاك الرجل اللبناني للمقوّيات الجنسية.
تعالج مسرحية «أسرار الرجال» موضوع الفصام الذي يعيشه الرجل الشرقي بين ما هو عليه وما يجب أن يكونـــــــــه، وتـــــــــــدعوه إلى التحرّر من التنميط المفروض علــــيــــــــــه بدلاً من أن يهرب من واقعه إلى إدمان الكحول والبحث كل يوم عن طريـــــــــــدة جديدة يملأ بها الفراغ الروحي الذي يتخبّط فيه ويثبت رجولته من خلالها.
يتوجّه عبد النور، أستاذ المسرح في الجامعة اللبنانية إلى الشباب في معظم الأنشطة التي ينظّمها. ويوفّر لهؤلاء التدريبات في محترفه، إذ إنّه يفضّل التعامل معهم على التعامل مع محترفين، بهدف إعطائهم فرصتهم الأولى في الصعود إلى المسرح. يدّخر من معاشه في الجامعة ليموّل فرقته ويتبرّع بتنظيم ورش العلاج الدرامي لمن يحتاج إليها.
تتنوع مواضيع أعماله المسرحية بين السياسة والتوعية الاجتماعية والتجريب.
فمسرحية «غير مقبول»، التي عرضت بعد عدوان تموز مباشرة، اكتنفت نقـــــــــداً مباشراً لتسييس الأمم المتـــــــــحدة، فيما ناقشت «رسائل انتحار» ظاهرة الانتحار لدى الشباب اللبناني، إضافة إلى مسرحية «يالو» المقتبسة عن رواية الياس خوري التي عرضت عام 2002، و«بادئة الحرب» التي نادت برفض الحرب على العراق عام 2003، والعرض التجريبي «ما تبقى».
وتأتي مسرحيتا «حياة المرأة السرية» و«أسرار الرجال» في إطار توعوي. فبعد انتهاء ورشات عمل العلاج الدرامي التي تخلّلها انتحار أحد الشباب المشاركين فيها، أصرّ زملاؤه وذووهم على تعميم تجاربهم مع المشاكل النفسية والاكتئاب بهدف التوعية واستدراك مآسٍ محتملة قد تطال آخرين.
بالنسبة إلى عبد النور، موضوع المسرحية هو الذي يفرض أسلوب معالجتها. فالـــــقوالب المسرحية ليست جامدة. إلا أنّ الوحيد الثابت هو إحساس الممثل وتفاعله مع الجمهور. ففيما يبدو التـــــــقشف واضحاً على ديكورات المسرح في المسرحيتين المذكورتين، تأتي الإضاءة عنصراً أساسياً لأنها تخـــــــدم إيصال إحساس الممثل وإبـــــــراز مشاعره. من خلال نفض الركام عن السلوكيات التي تنهش المجتــــــــمع من الداخل ونرفض الاعتراف بوجودها، تأتي الرسالة التوعوية حجر الأساس في العملين اللذين يبدأ عرضهما غداً في مسرح المدينة.

«حياة المرأة السرية» ابتداء من مساء غد ــ 7:30 على مسرح المدينة
«أسرار الرجال» ابتداءً من مساء غد ــ 9:30 على مسرح المدينة 753010/01