خالد صاغيّة
لوهلة، بدا كما لو أنّ مشروع نشر الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط قد انطلى على كثير من المتحمّسين الذين بهرتهم صورة تمثال صدّام حسين يهوي في ساحات بغداد. لكن، ويا لهول المفاجأة، ما لبث المشروع أن انسحب بهدوء، كأنّ شيئاً لم يكن. ارتفع شعار المعتدلين (الديكتاتوريّين) العرب، واختفى السجال حول الديموقراطية، وحول غايات الولايات المتحدة الأميركية من طرحها، وما عاد ينفع انتقاد سياسة الكيل والمكيالين. أمّا الكلفة العالية للرؤية البوشية، فما عادت تبحث إلا من زاوية الميزانية الأميركية والجيش الأميركي وعناصره العائدين إلى بلادهم داخل التوابيت.
ولكن... في لبنان، لا يراد لهذا المشروع «اللفظي» أن ينسحب. ما زال يشكّل مادّة دسمة للمتاجرة في البازار السياسي. لا بل لا يزال مطلوباً تقديم التضحيات وعدم السؤال عن الضحايا خدمة لهذا المشروع. لعلّ هذا هو مغزى حديث دايفيد ولش عن «عملية تاريخية للتحوّل الديموقراطي» يشهدها لبنان. إنّها صياغة أخرى لـ«مخاض الشرق الأوسط الجديد» الذي تحدّثت عنه كوندوليزا رايس خلال حرب تمّوز.
هل هذا وقت العمليات التاريخية يا مستر ولش؟ نحن لم نعرف بعد كيف نلملم جراح الحرب الأخيرة، وكيف نحفظ شوارعنا من الاقتتال الداخلي ومن عودة الحرب الأهلية، وأنت تتحدّث عن عملية تاريخيّة، وتحوّل ديموقراطي؟ أليس عندك نظر يا أخي؟ هل هو التاريخ... أم أنّ دراكولا البيت الأبيض لم يرتوِ بعد؟