كامل جابر
خبرة أربعين عاماً في بيع الكتب، جعلت عبد الجليل ظاهر (62 عاماً) صاحب حرفة وابن «كار»، يجيد انتقاء عناوينه ويحفظ أذواق زبائنه، ويكرس صيغة التبادل المعرفي.
لا فضاء محدداً لمكتبة ظاهر المتنقلة، ولا مكان واحد أو منطقة؛ كل الأمكنة والأسواق التي تفوح منها الرغبة لاقتناء الكتاب وتداوله، يذهب إليه، ويحط على رحاله على الأرصفة.
يتقن ظاهر وصف الكتاب، من غلافه إلى ورقه ومحتواه، وحتى قياسه وعدد صفحاته ونوعية الحرف المطبعي، وكذلك المطبعة أو دور النشر؛ وله زبائن ينتظرون منه الجديد أو الكتب النادرة.
هجر عبد الجليل لبنان مرة إلى أحد بلدان الخليج «وعدت بعدما عنّت الحرفة على بالي؛ لأجمع من جديد رصيد مكتبة نقالة؛ من كتب نادرة متعددة، منها عناوين أحتفظ لها بعشرات النسخ، قديمة وجديدة؛ علمية، أدبية، قانونية، فنية، إنترنت وكومبيوتر والكتاب بربع ثمنه، وأقل من 40 في المئة».
في سوق الاثنين في النبطية، يتخذ بائع الكتب زاوية باتت معروفة «للقاصي والداني»، رواد جدد وآخرون «مدمنون»؛ يتركهم دقائق لاستعراض الكتب المصفوفة على الرصيف، ثم يتدخل سائلاً عن العنوان المرغوب. وإن كان المشتري لا يستهدف عنواناً معيناً، يبدأ ظاهر مهمته بعرض أمهات الكتب. وقد باع موسوعة «بحار الأنوار» من 110 أجزاء بـ250 ألف ليرة «مع أن قيمتها لا تقل عن 500 دولار وهي نادرة ومفقودة. وعندي كتب بخط حجري قديم، مفقودة من الأسواق سعر الواحد بنحو 10 دولارات، مع العلم أنه لا يمكن الحصول عليها بأقل من 50 دولاراً».
أسواق ظاهر متعددة في النبطية، وصور، والمخيمات الفلسطينية، وبيروت، والضاحية الجنوبية وغيرها من المناطق، ويقول: «يمكن أن أقصد بعض المهتمين إلى أماكن بعيدة بعدما أحصل على كتب أدرك مدى اهتمامهم بها؛ ويمكن أن أشتري الكتب أو أبادلها، وفي كثير من الأحيان وقعت على كتب نادرة تخلى أصحابها عنها».
يؤكد بائع الكتب أن الناس «يهجمون على شراء الكتب بعد أي عدوان تدميري تمارسه إسرائيل، إذ إنها تسبب تدمير العشرات من المكتبات»، وهكذا ازدهرت تجارته في ما فعلته في منطقة جبل عامل على مدى عشرات السنين، وكأنها تقصد تدميرها أو حرق محتوياتها لمحو تاريخ هذا الجبل الذي اشتهر على مرّ العصور بصناعة الكتب ونشر المعرفة، من خلال مئات المخطوطات التي كان أحمد باشا الجزار قد أحرق معظمها، إذ ركز في اجتياحه لبنان على حرق مكتبات جبل عامل».
يدرك ظاهر أن باعة الكتب المتجولين باتوا قلة «لأن البيع والشراء يحتاج إلى حرفة، هي ليست بضائع فقط يمكن عرضها، هي إتقان للمحتوى والتسويق؛ أن تعرف مراد الزبون في كلام مختصر». لكنه متفائل من «عدد القراء، الذين لم يتخلوا عن هذه الهواية رغم تطور التكنولوجيا؛ هذا ما ألمسه من خلال تنقلي، وما أبيعه يشكل كفاف يومي، فأنا لا أريد جمع ثروة، أعيش من مهنة أهواها وأعشقها، أبيع الكتاب وأعتز بأنني كنت السبيل لدخوله إلى مجموعة أو مكتبة أحدهم، وخصوصاً الكتب النادرة».