خليل صويلح
ما هي الصلة بين الرواية والتاريخ؟ وما هي طبيعة العلاقة بين المادة التاريخية وتجلياتها في سياق التمثيل السردي؟ وهل تنتهك الرواية بوصفها مادة تخييلية «قداسة» الوقائع التاريخية؟
هذه بعضٌ من محاور كتاب «الرواية والتاريخ» الذي أشرف على تحريره الناقد عبد الله إبراهيم وصدر عن «المجلس الوطني للثقافة والفنون» في قطر. الكتاب هو محصلة دراسات وشهادات ضمّتها ندوة شارك فيها باحثون ونقاد عرب وأجانب، وجرت وقائعها في قطر أخيراً، حيث سعوا إلى فضّ الاشتباك بين ما هو وثائقي صرف، وتخييلي. بمعنى أنّ الرواية غير معنية بحقائق التاريخ حتى لو اتكأت على وقائع حقيقية.
هكذا ستفترق التجارب الروائية العربية الجديدة عن منجز رائد الرواية التاريخية جرجي زيدان، بعدما توغّلت في مساءلة التاريخ وفحص العلاقة المعقّدة بين توظيف المادة التاريخية من جهة، والبعد الجمالي للتخييل السردي من جهة ثانية.
في دراسته «الرواية التاريخية: أوهام الحقيقة»، يشير الروائي الجزائري واسيني الأعرج إلى ما هو مسكوت عنه لدى المؤرخ، فيما يلبس الروائي قناع المؤرخ موقتاً ليحفر بعمق في الوقائع بحثاً عن إجابات لفرضيات تشغله، بخصوص العناصر المنسية والقلقة. «التاريخ كثيراً ما يمحو فواصله بين الحقيقة الموضوعية والحقيقة المتخيلة». ولعل مهمة الروائي هي ترميم الثغرات المعطوبة لدى المؤرخ والاشتغال على الحوافي المستحيلة والضفاف المغيّبة.
أما الباحث الباكستاني البريطاني طارق علي، فيوضح في بحثه «تأملات في الرواية والتاريخ» أنّ التاريخ يكتبه المنتصرون، فيما تحاول الرواية زعزعة الحقائق المزيّفة وإعادة كتابتها من موقع مغاير. ويختار تجربة عبد الرحمن منيف في خماسية «مدن الملح» نموذجاً للرواية التاريخية التي أماطت اللثام عن حقائق مسكوت عنها في تاريخ شبه الجزيرة العربية، وهو ما جعل السلطة السعودية تمنع تداول الرواية. ويقول: «التاريخ اليوم يُحبك بأيدي وكلاء الإمبراطورية الأميركية ويُقدم كما لو أنّه حقيقة مقدسة».
وتستعيد أهداف سويف علاقتها بالتاريخ عبر عملين روائيين لها هما «في عين الشمس» و«خارطة الحب» لتجد أنّها لم تكتب عن ذاتها كما كانت تعتقد، بل كان التاريخ المصري يتسلل إلى فضاء الشخصيات رغماً عنها، إذ تستدرك بطلة «خارطة الحب» بالقول: «لكن هذه الرواية ليست روايتي». وتخلص إلى أنّ هاجس الروائي هو التاريخ مهما حاول الابتعاد عنه.
ويتساءل الناقد المغربي سعيد يقطين: «ماذا يفعل الروائي حين يستقي مكونات مادته الحكائية من غير الزمان الذي يعيش فيه؟». ويضيف: «هل يكتب رواية تاريخية أم مجرد رواية بصرف النظر عن نوعها. وماذا بخصوص الأبعاد الجمالية للنص الروائي؟». ويرى أنّ التاريخ يقوم على «المطابقة» مع الواقع بينما تذهب الرواية نحو التخييل وهو جوهر السرد الحكائي.
وفي قراءته لسياق الرواية التاريخية وشروطها الثقافية، يلفت فيصل درّاج إلى إشكالية عربية متوارثة في الحقل الروائي، تتعلق بالتوافق والمصالحة بين الوافد الكتابي وموروثه القديم، كما لو كان في القديم ما يصون الكتابة من التيه والاغتراب.