يعشق محمد البساطي موسيقى برامز وبيتهوفن. عندما جاء من قريته، التقى الروائي الراحل عبد الفتاح الجمل الذي كانت لديه مكتبة موسيقية ضخمة. هناك تعلّم تذوّق الموسيقى واتّضح تأثيرها بقوة في بناء الكثير من أعمال البساطي. في روايته «جوع»، يعزف البساطي سمفونية من ثلاث حركات تروي كلها حكاية الجوع إلى الخبز والحب والجنس من خلال ثلاث وجهات نظر: الزوج، الزوجة، والابن. تبدأ الرواية بآية قرآنية عن مصر: «أدخلوها بسلام آمنين» التي تزيّن عادة البيوت الريفية بعد عودة أصحابها من الحج، أو خوفاً من الحسد. لكنّ البيت في الرواية «متداعٍ، متهدم يكاد يسقط على رؤوس أصحابه».
يرفض البساطي أيّ علاقة رمزية بين مصر والبيت. «لم أكن أقصد ذلك، لكن الرواية بدأت معي من تلك الطرفة: انشغال شاب باللافتة بينما بيته يكاد يسقط».
«الصفحة الأولى» من العمل الروائي هي معركة البساطي الأهم، إذ إنّها الأصعب في الكتابة، ومن خلالها تتحدّد زوايا الرؤية وإيقاع العمل عينه. اللغة ليست معركة كما يقول «لأنها جزء من شخصية الكاتب، والحذف والاختصار أيضاً». لكن ماذا يفعل حين يكتب مشهداً جيداً لكنّه لا يتوافق مع إيقاع العمل، هل يحذفه؟ يضحك: «لا أرمي شيئاً. رواية «جوع» خرجتُ منها بقصتين قصيرتين، خلال مرحلة المراجعة. إذ اكتشفت مشهدين غير منسجمين مع سياق الرواية فحذفتهما. سأشتغل عليهما في ما بعد كقصص قصيرة».
في «جوع» أيضاً، لا يلجأ البساطي إلى مخزون الماضي، ثمة إشارات داخل العمل تدل إلى أنّه يكتب عن جوع اللحظة الحاضرة وهو ما يؤكده. «كنتُ أريد أن أكتب عن الجوع الرهيب الذي نعانيه الآن الذي يبلغ ذروته عند أهل القرى، لأنّه في المدينة يمكن أن يجد الأهالي ما يأكلونه في صناديق القمامة. تذكرت على الفور هذه العائلة في قريتي التي أعرف أفرادها فرداً فرداً».
يستعير صاحب «التاجر والنقاش» شخصيات من الذاكرة ليكتب عن اللحظة الراهنة... ويستعير أيضاً عناوين روايته من كتّاب آخرين. يضحك: «تقصد رواية «جوع» لكنوت هامسون. حسناً، لم أجد عنواناً أفضل منه يعبّر عن مضمون الرواية. ولكن ما طمأنني أنّ مضمون الروايتين مختلف تماماً. كما أعتقد أنّ العنوان ليس ملكاً لأحد. فقد اخترت «أوراق العائلة» عنواناً لروايتي من مسلسل تلفزيوني بالاسم نفسه. كما أنّ الكاتب الجنوب أفريقي كويتزي اتخذ من قصيدة كفافي الشهيرة «في انتظار البرابرة» عنواناً لإحدى رواياته. كثيرون استعاروا منّي عنوان مجموعتي القصصية الأولى «الصغار والكبار» ولم أتّهمهم بالسطو على ملكيتي الفكرية».