داني الأمين
أشياء كثيرة تجمع المسنين الجنوبيين العائدين من بلاد الاغتراب الأفريقية بشكل خاص، تجاربهم متشابهة، والصور التي تحفظها ذاكرة كل منهم شبيهة بما يحفظه الآخرون، وتجمعهم أيضاً لعبة «البيتونك» الفرنسية الأصل.
دخلت هذه اللعبة أخيراً قصور المغتربين القدامى ومنازلهم الجنوبية. وهذه اللعبة، الجديدة نوعاً ما في لبنان، هي لعبة منتشرة في الدول الأفريقية، وخاصة في السنغال. تعلّمها اللبنانيون الجنوبيون خلال فترات اغترابهم، فكانت تجمعهم في أوقات فراغهم القليلة. وها هي تشكل مجدداً مادة تسلية بالنسبة إليهم. «البيتونك» أشبه بلعبة البلياردو، لكن ملعبها أرض رملية بطول عشرة أمتار وعرض حوالى خمسة أمتار. ينقسم اللاعبون في فريقين، يتألف كل فريق من لاعبين أو ثلاثة، يحمل كل لاعب كرتين حديديتين صغيرتين، تزن كل واحدة 690غراماً، ويبلغ قطرها 675 سم، وتوضع كرة صغيرة حمراء في وسط الملعب، ليعمد كل لاعب إلى رمي كرة باتجاه الكرة الحمراء، ويفوز الفريق الذي يستطيع أعضاؤه إيصال العدد الأكبر من الكرات إلى أقرب مسافة من الكرة الحمراء. يُذكر أن لكل لاعب الحق في إبعاد كرة خصمه أثناء رميه للكرة. حسين عاشور، ابن بلدة شقرا (قضاء بنت جبيل)، من محبي لعبة «البيتونك»، يقول: «تعلمنا هذه اللعبة في السنغال، ونقلناها معنا إلى لبنان، وهي لعبة مسلية تجمع الأصحاب الذين كانوا في أفريقيا، فأحياناً نجتمع بالعشرات، وهي تذكرنا بالدول الأفريقية التي أمضينا جزءاً كبيراً من سنواتنا فيها، وقد بدأ يتعلمها الجيل الجديد في البلدة، فالعديد من شبان شقرا يلعبون معنا بشكل يومي، وهي لعبة رياضية مفيدة، وخاصة في ظل عدم توافر الألعاب الخاصة بالكبار».
أما محمد عبد الله صالح الذي أمضى 56 عاماً في السنغال فيقول: «أكسبتنا الغربة عادات وتقاليد جديدة، وجعلتنا أكثر انسجاماً مع بعضنا، وهذه اللعبة تذكرنا بحياتنا هناك وتجمع شملنا، وتبعدنا عن مشكلات الوطن والنقاشات السياسية. وهي منتشرة الآن في عدة قرى جنوبية، ولا سيما بلدات قانا وشقرا والعباسية». لم يكتف المغتربون بنقل هذه اللعبة إلى منازلهم، بل «هناك الكثير من العادات والمأكولات التي انتقلت معنا إلى بيوتنا» يقول حسين عاشور، ويضيف: «داخل منزلي تنتشر المنحوتات الأفريقية، وبعض الأثاث والأزياء التقليدية لشعوب دول أفريقية».
آلاف الجنوبيين المهاجرين إلى أفريقيا الذين حققوا نجاحات باهرة في عالم المال وجمع الثروات، زينوا بلداتهم بالقصور الفخمة، وأسهموا في تعليم أولادهم وتنمية بلداتهم. فعلى سبيل المثال، يوجد حالياً أكثر من 400 مغترب من بلدة شقرا في «السنغال» التي ينتشر فيها حالياً أكثر من 25 ألف لبناني كما يقول عبد الله عاشور، ويضيف: «عملت 56 عاماً في السنغال وتركت أولادي الخمسة بعد أن تعلموا الطب والهندسة، إضافة إلى التجارة، وخاصة تجارة الفستق والذرة اللذين ينتجان هناك ونقوم بتصديرهما إلى الخارج، ورغم ذلك يبقى لبنان محطتنا الأولى والأخيرة»، وفي هذه المحطة تحضر «البيتونك» بقوة.