رام الله ـ يوسف الشايب
لم يعد الإعلام الفلسطيني يغلّب مناقبيته المهنية في نقل أخبار الاقتتال الداخلي بين «فتح» و«حماس». هذا على الأقلّ ما يبدو واضحاً من تغطية بعض الفضائيات التي عزف عنها المشاهد... بحثاً عن الحقيقة في مكان آخر!


في ظلّ الاقتتال الداخلي المستفحل في غزة، يعيش الصحافي تمزّقاً داخلياً: فهو مجبر على تغطية الأحداث، لكنه لا يرغب بتقديم شهادات تنقل إلى العالم صوراً بشعة عن الجرائم التي يرتكبها أبناء البلد الواحد بحقّ بعضهم... إلا أن الصراع الذي يعيشه الصحافيون، لم يمنع بعض المحطات من الانحياز، وتقديم إعلام يخدم الأطراف المتنازعة في المقام الأول. هكذا انعكس الاقتتال بين حركتي «حماس» و«فتح» الذي راح ضحيته عشرات القتلى ومئات الجرحى، على بثّ قناة «الأقصى»، «حمساوية» الهوى والانتماء، وفضائية «فلسطين» الرسمية، التابعة للرئاسة الفلسطينية.
على رغم تقديم القناتين لعدد من البرامج الحوارية والحملات الخاصّة التي ناشدت وقف العمليات العسكرية، جاءت تغطيتهما منحازة، عبر تبنّي كلٍّ منهما لرواية الجهة التابعة لها. وقد بدا ذلك واضحاً من خلال طريقة رصد وتقديم الأخبار من جهة، وانتقاء الشخصيات التي تستضيفها في برامجها من جهة ثانية.
ولعلّ أبرز ما سلّط الضوء على هذا «الاقتتال الفضائي»، في الأيام الأخيرة، تصريحات مشير المصري، أصغر عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة «حماس»، إذ شنّ عبر الإعلام حملة من الشتائم والاتهامات على رشيد أبو شباك، قائد الأمن الداخلي الفلسطيني، وسمير المشهراوي، القيادي في حركة فتح، ونائب رئيس الوزراء عزام الأحمد، ما أثار حفيظة «الفتحاويين»، وعدد من المحايدين، على قلّتهم في الأراضي الفلسطينية، ودفع بالناطقين باسم حركة «فتح»، إلى مطالبته بالاعتذار علناً ـــ وهو ما يرفضه بشدّة ــــــ ومحاكمته على أقواله، ورفع الحصانة عنه لكـونه نائباً في البرلمان. وقد جاءت تصريحات المصري التي رآها الكثيرون مستفزّة، في إطار التعقيب على قصف الأجهزة الأمـــنية الفلسطينية للجامعة الإسلامية، بدعوى أنها مـصدر لإطـلاق النار على مقرّها.
إعلام مضاد
من جهتها، تصدّت فضائية «الأقصى» للمعركة بشراسة، فكانت الناطق الرسمي باسم «حماس» ومقاتليها. وقد وصل بها الأمر إلى كيل الاتهامات للفتحاويين، وإطلاق الشتائم التي لا تخلو من التكفير والتخوين، حتى إن أحد مذيعيها «أغضب» خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، حين وجّه له سؤالاً، استهلّه باتهام تيار في حركة «فتح» بارتكاب الجرائم، فعاجله مشعل بالقول: «يا بُنيَّ أرجو التركيز على ما يوحّد، لا ما يفرّق». كما بثّت «الأقصى» برامج وأغنيات «تمجّد» حركة حماس، وجهازها العسكري: كتائب عزّ الدين القسام، والقوة التنفيذية التابعة للحركة التي شكلها وزير الداخلية السابق سعيد صيام.
في المقابل، انتقت «فلسطين» أخبارها وتقاريرها وصورها «بعناية»، أظهرت من خلالها أن «حماس» هي رأس الفتنة. كما ركّزت على المكالمات الهاتفية النسوية التي تتحدث عن جرائم «القوة التنفيذية» وعناصر «القسام»، وحصارهم للأبرياء، واستهدافهم لكل ما هو غير «حمساوي»، إضافة إلى بثّ أنباء، سرعان ما نفتها حركة حماس، عن استسلام عناصر من «التنفيذية» لقوى الأمن، احتجاجاً على الجرائم التي يرتكبها رفاقهم...
انتهاكات واضحة
وبعيداً من الحقيقة، لا شكّ في أن الاشتباك الفضائي المتواصل يؤثر سلباً في صورة الفلسطينيين، ويضرب بصدقيتهم عرض الحائط. يبدو ذلك واضحاً من خلال اقتصار متابعة شاشة «الأقصى» على أنصار حركة «حماس»، أو من يريد رصد انتهاكاتها الفضائية، فيما بات التلفزيون الفلسطيني، المنبر الرسمي للفتحاويين، أو بمعنى أدق، لكل من هو ضدّ «حماس». وتشتعل المعارك الإعلامية في الأراضي الفلسطينية، منذ فوز حركة حماس بالانتخابات في كانون الثاني (يناير) من عام 2006، وتحويل هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية من مؤسسة حكومية، إلى مؤسسة تابعة مباشرة للرئيس الفلسطيني، ومن ثم تأسيس قناة «الأقصى»، التابعة لحركة حماس، وتجنيد عشرات المحطات الإذاعية ومواقع الإنترنت لزرع روح الفتنة في نفوس أبناء البلد الواحد.
توخي الدقة
يذكر أخيراً أن حركة الجهاد الإسلامي دعت كل وسائل الإعلام، وتحديداً فضائيتي «فلسطين» و«الأقصى»، إلى توخي الدقة الكاملة في تغطية الأحداث التي يشهدها قطاع غزة. كما انتقدت الدور السلبي الذي تؤديه هذه المحطات في تغذية الاقتتال الداخلي. وشدّدت على تقصيرها في ترسيخ وحدة الشعب الفلسطيني لمواجهة العدوان المتواصل، وفضح جرائمه للعالم، وخصوصاً في ظلّ تعرّض أهل المهنة لاعتداءات متواصلة من جيوش الاحتلال ورجال الأطراف الداخلية المتنازعة.