strong> عبد الغني طليس
يحرص محمود سعد على إبداء قدر كبير من الطبيعية والبساطة «المهنيّة» في تقديم برنامجه التلفزيوني الذي يتغيّر اسمه عاماً بعد عام تقريباً... من دون أن يتغيّر المقدّم أو تتبدّل حاله.
ثمّة في ذهن محمود سعد جملة من الممنوعات التي وضعتها رقابته الذاتية لا رقابة المحكمة أو إدارة الإنتاج. ممنوعات تتعلّق بأسلوب ظهوره التلفزيوني، بمستوى أسئلته، بطريقة طرحه المواضيع، وحتى بالضيوف. ممنوعات لو تخلّى عنها أو تراخى في اعتمادها، لانكشفت برامجه على ما تنكشف عليه أغلب برامج المقابلات الفنية أو الثقافية أو الاجتماعية من «استعراض»، يسهل الوقوع فيه. لأن الوقوع في الاستسهال مغرٍ لدى المذيعين الآتين إلى الكاميرا من أي مكان غير مكان النقد والصحافة والتدقيق في ما يُقال.
من اللحظة الأولى لبدء المقابلة، يوحي محمود سعد بأنه جالس في ركن هادئ في منزله، أو في المقهى الذي يرتاده باستمرار. حتى كلامه، تعليقاته، ردوده، انفعالاته، وتربّصه ببعض الضيوف المتمرّسين بـ«المناظرات» القائمة على «الحكي»، كلّها تعطي انطباعاً بأن محمود غير مستعد لأن يفقد أي عنصر من عناصره الشخصية (الذكاء والمعرفة والحيوية والتلقائية)، إكراماً لأحد. أكان ضيفه نجماً في عالم الأضواء أم الثقافة، أو المجتمع. والمهم أنه غير مستعدّ ليجلس، كما تقتضي «العادة» أن يجلس المذيعون: يرتّبون مفرداتهم، ويقيسون طول الجملة التي يقولون، ظناً منهم أن ما يُقال على الشاشة ليس كما يقال في الحياة بالضبط. إنما يستوجب ذلك الكثير من «الرتوش» في الشكل والمضمون، وأن هناك لغة للتلفزيون ولغة للواقع في النقاش، فضلاً عن سبيل (واحد؟) للاعتراض على ما يقوله الضيوف. محمود سعد خارج كل هذه «الحدود» المصطنعة التي وضعها بعض الغارقين في النمطية، معتقدين أنها أسلم وأنفع وأهم حتى من قانون «الجاذبية»!
جاء محمود سعد إلى المقابلات التلفزيونية من الصحافة الفنية. لم يصدّق في البداية أنه يمكن أن يكون مجرّد مذيع، فكيف إذا كان المطلوب أن يكون مذيعاً ناجحاً؟! الصدفة قادته، كما قال أكثر من مرّة، إلى الاستوديو والبرامج. احتاج في البداية إلى آراء بعض النجوم الذين تربطه بهم صداقة. شجّعوه فمشى. ولا يزال يمشي إلى أن بات متفرّداً في مجاله: من ممارسة الحضور إلى فرض المعايير الخاصة به، لا المعايير «المشتركة» التي يتبنّاها أغلب المذيعين والمذيعات، لكن من دون أي «فذلكة» أو ادّعاء أو أستذة. ولعلّ «الأستذة» هي المرض الفظيع الذي يصيب «نجوم» التلفزيون من حيث يدرون (وهذا بشع)، أو من حيث لا يدرون (وهذا أبشع)، على أساس أن مَن يعي مرضه قد يعمل على مداواته، أمّا مَن لا يعيه فمعرّضٌ لانتشار المرض في كل جسده.
وعلى رغم احتراف محمود سعد «الهموم» الفنية، فإنه عندما وسّع دائرة موضوعات برنامجه إلى مجالات اجتماعية و ثقافية وإنسانية، حافظ على المستوى نفسه من الجودة في العرض والتحليل. حتى في القضايا الفنية التي يملك فيها خبرة وإدراكاً شديدين، لم يكن يقدّم معلوماته واستنتاجاته على أنها «حقائق كونيّة» لا تمسّ ولا تُعدَّل، بل على أنها مادة للحوار. وهو، في اتّساع دائرة القضايا التي يناقشها برنامجه، أبقى خاصية العرض والتحليل مسيطرة من خلال معلومات واستنتاجات تنضج في سياق تبادل الأفكار خلال الحلقات، ولا تأتي ناضجة و«خالصة»، لا ينقصها غير القطاف! محمود سعد «فنان» يثق بالآخرين أيضاً.

«اليوم السابع»: كل خميس 21:30 على MBC