بيار أبي صعب
في كتابة جورج دورليان خاصية تذكّر بسمير قصير. فالصحافي والكاتب القتيل كان ينتقل، بعفويّة ومرونة، بين العربيّة التي برز من خلالها آخر سنواته، والفرنسيّة التي لجأ إليها في أكثر من حقبة من حياته المقتضبة كقصيدة هايكو. خاض سمير غمار الفرنسيّة باحثاً وكاتباً، كما خاضه صحافياً: منذ الـ«موند دبلوماتيك» في باريس الثمانينيات... إلى الـ«أوريانت إكسبرس»، المجلّة الشهريّة الاستثنائيّة ــــ القصيرة العمر هي الأخرى ــــ التي رأس تحريرها في بيروت التسعينيات. كان يتعاطى مع لغة موليير من موقع «العربي»: أي بمراجعه وحساسيته، ومشاغله الجمالية والثقافية، وأسئلته الأخلاقية، وقضاياه السياسية. عرّب قصير الفرنسيّة من داخلها، ماحياً الحدود الإيديولوجيّة والحضاريّة (والطبقية) التي تفصل بين اللغتين في الوعي اللبناني (والعربي) المعاصر.
الناقد والباحث الأكاديمي والكاتب جورج دورليان ليس غريباً عن سمير قصير. ومؤلفه النظري الصادر حديثاً بالفرنسيّة يعكس تلك الإشكاليّة الخصبة نفسها، القائمة على الجمع بين ثقافتين ولغتين في سياق واحد، عربي المصبّ. في «الهويات المختلقة ــــ محاولات لدراسة الهويّة وهوس الأصول» (منشورات جامعة البلمند)، يطرح دورليان سؤال الهويّة، مستوحى ربما من تجربته الخاصة التي سرعان ما نكتشف أنها تجربة كل لبناني. يضم الكتاب مجموعة دراسات وأبحاثاً نقديّة، كتبت في مراحل مختلفة من مسيرته الأكاديميّة (عن أمين معلوف وجورج شحادة وصلاح ستيتية وتوفيق يوسف عواد...)، يبدو الخيط الخفي الرابط بينها هو «البحث العنيد عن الجذور».
يقترح جورج دورليان مفاتيح نقدية للتعامل مع النتاج العربي المعاصر. والمقالة الأخيرة «بروز الأنا في الرواية اللبنانية باللغة العربية»، أقرب إلى خاتمة موقتة، قد تكون نواة كتاب لاحق، من شأنه أن يعطي لمشروعه النقدي بعداً راهناً، ويغرسه في التربة الحقيقية للنتاج الأدبي في لبنان.