strong> صباح أيوب
هذه ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها الاعتداء على الصحافيين في لبنان. كما ليست المرة الأولى التي يبرهن فيها شعب مشحون أنّه غير قادر على ضبط تصرّفاته أمام صورة تُشهر للعلن ما قد يحصل أحياناً في السرّ... فيما يستمرّ السياسيون بإثارة النعرات «مباشرة على الهواء»، غير آبهين بدقّة الوضع أو بحدّة الأزمة. وهذه ليست المرة الأولى التي تستنكر فيها الصحافة اعتداءً على زملاء أثناء تأديتهم لواجبهم... من دون أن يتغيّر شيء.
كان المشهد «نموذجياً» أوّل من أمس: اعتداء على صحافيين من «نيو تي في» خلال قيامهم بتغطية ميدانية. ثم اعتذار رسمي، تلاه تهجّم زعيم سياسي لبناني على محطة فضائية وإدارتها وحكومة بلادها، مباشرةً من على منبرها.
في عاليه، نَسيت الجموع التي احتــــــــشدت إثر وقوع الانفجار، مُصابهـــــــــا فجــــــأةً، وصبّت جـــــــام غضبها على مراسلي تلفزيون «نيو تي في»، بعدما نقلت المراســـــــــلة كريستــــــــين حبيب مشهداً «رأته بأمّ العين»، كـــــــــما تقول لـ «الأخبار». يقول الخبر إن بعض المتجمهرين ضربوا عامـــــــــــلَين سوريين. قامت حبيب بواجبها المهني، فــــــــيما رأى بعض المجتمعين أن نقلها للخبر قد يخلق حساسيةً لدى بعض المشاهدين. «ثم جاء السؤال المُعتاد من الشباب في المكان: «من أيّ تلفـزيون أنتم؟». وكان الجواب كفيلاً بتعريض طاقم المحطة (حبيب إلى جانب المصوّرين غسان الحاج وسعد عيّاد) للضرب والشتم ومصادرة الشريط المصوّر. وتضيف حبيب: «اقتيد الطاقم الى دار بلدية عاليه، حيث التقينا بقوى الأمن الداخلي». ثم أُطلق سراحهم من دون استرجاع الشريط، مرفَقين باعتذارٍ رسمي من وزير الإعلام غازي العريضي تلبيةً لواجبه المهني و... نيابةً عن زعيم المنطقة وليد جنبلاط.
في ذلك الوقت، كان رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط على هواء «الجزيرة»، في اتصال هاتفي مباشر ضمن «حصاد اليوم»، على اعتبار أنّه من أبرز الشخصيات السياسية في المنطقة المستهدفة. سأله المذيع عن مصادفة حصول التفجيرات في مناطق محسوبة على طوائف معيّنة، وهو ما بات معروفاً لدى الجمهور، إضافة الى عدم قيام الحكومة اللبنانية بأيّ اجراء منذ تجدد الأحداث حتى الآن. فانتقل جنبلاط الى التهجّم مباشرة على المذيع، وعلى المحطّة و«أميرها» وادارتها، متّهماً إيّاهم «بالانحياز السياسي لسوريا»، والمشاركة في مكان ما «بارتكاب هذه الجرائم»(!)
في الحالتين، كان الإعلام المتّهم الأول. لا تقصير من الدولة ولا عتب على السياسيين الذين يجيّشون غرائز مناصريهم عبر استخدام هذه الوسائل الاعلامية نفسها. «الإعلاميون هم سبب الأزمة والمحرّضون عليها»، هكذا يصف بعض السياسيين دور الاعلام في لبنان، لمجرّد عدم تلبية بعض الوسائل لتطلعاتهم السياسية. وهذه ليست المرّة الأولى طبعاً التي تُستخدم فيها وسائل الإعلام كبش محرقة في أزمة حسّاسة، لم يعرف المعنيون كيفية ضبطها فألقوا بتبعاتها على عاتق الإعلام!