حوراء حوماني، كامل جابر
عاد نور الشريف إلى القاهرة ليستأنف تصوير مسلسله «الدالي»، بعد زيارة قصيرة إلى لبنان، ليحتفل مع مقاومته وشعبه بذكرى التحرير... النجم المصري متمسّك بدور الفنان في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا، وناقم على الإعلام الذي حوّل العرب إلى «مشاهدين بلا ذاكرة، ومواطنين بلا انتماء»

في مناسبة الذكرى السابعة لعيد المقاومة والتحرير، وبدعوة من لجنة «مهرجانات كفررمان» و«المؤتمر الدائم لمناهضة الغزو الثقافي الصهيوني»، زار نور الشريف والممثل السوري هاني الروماني والمخرج اللبناني جان شمعون، قرية كفررمان. وجال الفنانون في أرجاء البلدة التي قاومت العدوان الإسرائيلي، وتسلّموا دروعاً تكريمية في حفلة شعبية. كما زاروا صيدا، وعقدوا مؤتمراً صحافياً في نقابة الصحافيين في بيروت، والتقوا برئيس الجمهورية إميل لحود ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
«الأخبار» التقت الممثل المصري نور الشريف الذي «يمثّل وجهاً آخر للمقاومة»، كما عُرّف عنه في حفلة التكريم. وتحدث بدايةً عن حماسته لزيارة لبنان، على رغم الأوضاع الأمنية المضطربة: «أنا مواطن عربي سئم الكلام، وآمن بأن المفاوضات لا تعطي الشعوب حقّها... جئتُ لتمجيد لحظة الانتصار، وإنعاش الذاكرة الجماعية التي بدأت تضعف. يجب ألّا ينسى أولادنا لحظات الانتصار النادرة عندنا». لكنْ أيّ دور للفنان في زمن المقاومة؟ يجيب بصوت عال: «للفنان دور أساسي في مواجهة تحدّيات الوطن العربي، وهناك الكثير من المبدعين الذين وقفوا في وجه كل أنواع الاحتلال. لكنني أشعر بخوف شديد نتيجة سيطرة منهج عالمي فرضه النظام الاقتصادي الجديد على الإعلام، من خلال العولمة والخصخصة والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للمحيطات. هذا النظام بدأ يروّج لمعنى آخر من الانتماء، يكرّس الأنانية الفردية، ويعطي النجاح الشخصي الأهمية الأولى... وذلك يتطلّب منا إعادة النظر في مناهج التدريس، وخصوصاً أن المجتمع يكتسب قِيَمه الحقيقية من المدرسة».
من هنا، يشير الشريف الى خطورة الإعلام العربي الذي «يقتل ردات الفعل في داخلنا، ويحوّل الأحداث اليومية الى مجرّد حلقات في مسلسل دموي طويل، مؤسساً بذلك لجيل من المشاهدين بلا ذاكرة». هذا الإعلام، بنظره، يقدّم يومياً «مئات الكليبات الهابطة، وعشرات البرامج الحوارية التي تسلط الضوء على قيم غريبة عن مجتمعنا، بحجة التطوّر والبحث عن حياة عصرية». وماذا عن السينما؟ يرى الشريف أن مشكلة السينما تعود إلى المنتجين الذين اقتحموا الساحة الفنية منذ عشر سنوات تقريباً لاستثمار ثرواتهم. ويقول: «ترى ذلك واضحاً من خلال انتشار ظاهرة الأفلام الكوميدية الخفيفة. وبعدما نجحت إحدى هذه التجارب مصادفةً، راح المنتجون يقدمون نوعية واحدة من الأفلام، ما جعل الكبار يجلسون في منازلهم... لقد تربينا أنا ومحمود ياسين وعزت العلايلي وحسين فهمي على أيدي فريد شوقي ومحمود مرسي ... أما جيل اليوم فلم يعد يجد قدوة يُحتذى بها... إلا أن تقديم أفلام على طراز «عمارة يعقوبيان» و«دم الغزال» أعاد إلينا بعض الأمل».

الشباب والواقع

بعد زيارته الخاطفة إلى بيروت، عاد الشريف سريعاً إلى القاهرة حيث يصوّر مع مجموعة من الشباب مسلسل «الدالي» للكاتب وليد يوسف والمخرج يوسف شرف الدين والمنتج محمد فوزي. وفيما يحرص الشريف على عرض المسلسل في رمضان، يؤكد أن الدراما العربية عموماً والمصرية خصوصاً شهدت تطوراً تقنياً وإنتاجياً جيداً، «لكن كمية الإنتاج فاقت الحاجة. لذا ظُلمت بعض الأعمال من ناحية موعد العرض وعدد القنوات التي تبثّها. ما خلق حالة من الإحباط لدى الفنان الجاد الذي لم يصمد طويلاً أمام انتشار الأعمال الشعبية».
من هنا، يرحّب الشريف بمشاركة الفنانين العرب في الدراما المصرية: «هذا دينٌ على مصر التي لم تقفل أبوابها يوماً في وجه أي فنان عربي من نجيب الريحاني إلى أنور وجدي، وآسيا داغر وماري كوين وفريد الأطرش ونور الهدى وصباح وفايزة أحمد ووردة».
وماذا إذاً عن موجة الاحتجاجات التي رافقت مشاركة السوري جمال سليمان في «حدائق الشيطان»؟ يجيب سريعاً: «ما حصل أن بعض الممثلين الصغار اعترضوا على مشاركة جمال سليمان في الدراما المحلية. أما أنا فأقول له أهلاً وسهلاً. بين 1967 و1974، احتضن لبنان وسوريا الممثلين المصريين. لكن القاهرة مقصّرة بحق المبدعين العرب، لأنها لا تعطيهم مساحة العرض الكافية... اقترحتُ منذ خمس سنوات أن يُلزم التلفزيون المصري بشراء الأعمال العربية التي تحصل على جوائز. ويمكن ترجمة المسلسل المغربي أو الجزائري أو حتى الخليجي في أسفل الشاشة، لمعالجة ما يرون أنها مشاكل اختلاف في اللهجات». ويشير الى تميّز المخرجين السوريين الذين أسهموا في تغيير شكل الدراما، وخصوصاً في الأعمال التاريخية والفانتازيا.

تحدّيات اللحظة الراهنة

يعترف نور الشريف بأن الدراما العربية لم تعد تحاكي الواقع وتحديات اللحظة الراهنة. ويقول: «لم يعد المنتجون ولا حتى الجمهور يرغبون في الحديث عن الواقع. هذا ما أكدته إحصائية لأفضل أفلام مصرية عام 1996، وأظهرت فشل ثمانين فيلماً تناولت الواقع المصري، فيما حققت أفلام تصدّر الأحلام الكاذبة، إيرادات عالية». أما الحل فيكمن بنظره عبر «إقامة توازن بين المضمون والأسلوب، وخصوصاً أن الأسلوب الخطابي المباشر يبعد الناس عن مشاهدة العمل». يذكر أخيراً أن الشريف سيُطل مساء الثلاثاء 5 حزيران (يونيو) المقبل في برنامج «سجال» على nbn، ويتحدث مع رابعة الزيات وهبي عن دور الفنان في الأزمات، في ظل تنامي الحركات الأصولية وسياسات القمع.