عمان ــ نوال العلي
باسم الغائب، تكلّم محمود درويش، مستحضراً شاعر طروادة المفقود، فـ«الحقيقة لها وجهان، وقد سمعنا صوت الضحية الطروادية على لسان يوريبيديس... إن شعباً بلا شعر شعب مهزوم». يبحث درويش عن شاعر طروادة، حاملاً «لغته المطيعة كسحابة» لدى ظهوره في فيلم «موسيقانا» الذي عرض أخيراً ضمن سلسلة «أفلام ذاكرة الحرب» في عمان. الشريط الذي أنجزه المخرج السويسري جان لوك غودار (2004)، وظهر فيه محمود درويش والكاتب الإسباني خوان غويتسيلو، افتتح عروض «ذكريات الحرب» التي تقام حالياً في «مسرح البلد» في العاصمة الأردنيّة بالتعاون مع جمعية «بيروت دي سي» و«أمم للتوثيق والأبحاث في لبنان». واستدعي إلى التظاهرة المسرحي المصري حسن الجريتلي والمخرجة الألمانية المقيمة في لبنان مونيكا بورغمان، وهي بين القيّمين على جمعية «أمم» البيروتيةوتُعرض خلال هذه التظاهرة سلسلة أفلام وثائقية تروي حكايات الحروب، وتقدّم شهادات حول ما حدث في العديد من النزاعات التي طحنت رحاها ضحايا وأبرياء كثراً. ويشير حسن الجريتلي الذي زار لبنان أخيراً إلى أهميّة ما ينجز الآن من أفلام قصيرة، توثّق يوميات الناس وترصدها، وخصوصاً الأعمال التي أرّخت لعدوان تموز، معتبراً أنّها في غاية الأهمية، لأنّها وضعت المرء أمام نوع مختلف من السينما، هو ما نحتاجه اليوم.
يتناول غودار في «موسيقانا» تجليات الحرب بشكل عام كمشاهد الدبّابات والمدن المدمّرة والسفن الحربية والسكان المهجّرين من دون أي تسلسل زمني أو تاريخي. لكنّ الشريط يتابع أيضاً قصتين متوازيتين، واحدة تنجذب إلى الضوء وأخرى إلى العتمة. ويستعين غودار بدانتي مثلما يستعين بدرويش وغويتسيلو اللذين يظهران في بعض المشاهد، فيقسم فيلمه إلى ثلاث ممالك، بدءاً من مملكة «الجحيم»، حيث مشاهد الحروب والمذابح منذ الحروب القديمة وأدواتها البسيطة، وصولاً إلى قنبلة هيروشيما. أما في «المطهر»، أي المملكة الثانية من الفيلم، فيطوف غودار في سراييفو، وهنا يستعرض مجموعةً من الصور التاريخية لفـــلسطين. وفي أحد المشاهد يعرض صورة لليهود وهم يجتازون البحر إلى حيفا عام 1948، متوجّهين إلى أرض الميعاد في باخرة كبيرة، وصورة للفلسطينيين وهم يهربون في العام نفسه، وفي المكان نفسه، في قارب صغير. كأن «الأُوَل يدخلون التاريخ... والآخرين يخرجون منه»، ثم يكرّر: «ثمة وجهان للحقيقة الواحدة».
أما فيلم «مَقَاتل» اللبناني ـــ الألماني الذي عُرض أيضاً في التظاهرة، فيصوّر شهادات بين الحقيقة والهلوسة لستة مقاتلين في ميليشيا القوات اللبنانية، من مرتكبي مذبحة صبرا وشاتيلا (1982). لكنّ الشريط الذي يحمل توقيع مونيكا بورغمان ولقمان سليم، وهرمان تايسن لا يقدّم صورة توثيقية أو تأريخية لما حدث، بل يترك لرجال الميليشيا الستة أن يتحدثوا ـــ بعيداً من أي دقّة طبعاً ـــ عن التفاصيل والوقائع والأسباب التي أدّت إلى المجزرة. وقوة الشريط أنه يفسح المكان للجلاد، من دون تدخل إلا في طريقة التصوير واختيار الكادر، كي يستعيد الفظائع التي ارتكبها، لنكتشف أنه هو الآخر ضحية لجرائمه وللبؤس الذي رماه على قارعة البشريّة.
ومن الولايات المتحدة، عُرض شريط «الحرب العالمية الرابعة» لمخرجيه ريتشارد رولي وجاكلين سوهن. يروي الفيلم الذي استغرق تصويره عامين، قصصاً عن المناضلين الذين قاوموا «الإمبراطورية الشمولية» من كوريا وجنوب إفريقيا والمكسيك والأرجنتين. كما تُعرض سلسلة من عشرين فيلماً قصيراً بعنوان «أفلام تحت الحصار» نفذها فنانون شباب داخل لبنان أو خارجه خلال عدوان تموز الصيف الماضي. وعرضت هذه الأفلام في مهرجان بيينالي السينما العربية في باريس، وفي مناسبات عربية وعالمية عدّة. وفي اليوم الأخير لعروض «ذكريات الحرب» التي تنتهي الجمعة المقبل، يُعرض الفيلم السويسري «مصوّر الحرب» للمخرج كريستيان فراي الذي رافق فيه المصوّر الأميركي جيمس ناتشوي لسنتين في مناطق النزاعات كأندونيسيا وفلسطين وكوسوفو. ويعدّ الفيلم صورة توثيقية لمشاعر المصوّر وانفعالاته في أصعب اللحظات وأكثرها دموية أيضاً.