محمد عبد الرحمن
صلاح السعدني وعزت أبو عوف ولبنى عبد العزيز هم سكان «عمارة يعقوبيان» في صيغتها التلفزيونية. ماذا سيبقى من رواية علاء الأسواني بعد «تطهيرها» من الدين والجنس والصراع الطبقي... كي تلائم مزاج الشاشة الصغيرة ومعاييرها الرقابية الصارمة؟

يدرك صنّاع مسلسل «عمارة يعقوبيان» الذي بُدئ تصويره قبل يومين في القاهرة، أنّ ردة الفعل الأولى لجمهور التلفزيون ستتمثّل بالمقارنة بين العمل التلفزيوني والفيلم السينمائي. بعد الضجة التي أحدثها الفيلم في مصر، ونجاحه في العالم العربي وأوروبا وأميركا، يواجه المسلسل تحدياً حقيقياً في المعالجة الدرامية واختيار النجوم. ولعلّ السيناريست عاطف بشاي هو أحد أبرز الأسماء التي تعوّل عليها الشركة المنتجة «كنج توت»، لإحداث الاختلاف الإيجابي بين العملين. وقد أعلن الكاتب أنّه سيضيف عناصر عدة إلى نص علاء الأسواني، مستغلاً الإمكانات التي تتيحها الحلقات الثلاثون، بخلاف شريط السينما الذي اختزل الأحداث بـ150 دقيقة.
لكن التعديلات لن تتوقف عند الإضافات، بل سيرضخ بشاي لملاحظات رقابة التلفزيون المصري، ما قد يعطي بُعداً مختلفاً للمسلسل المنتظر عرضه في رمضان المقبل. في العمل الجديد، لن تتجاوز الأحداث المحاذير السياسية والاجتماعية والجنسية، كما جاء في الرواية التي رصدت تحوّلات مصر في النصف الثاني من القرن العشرين. لذا، ستُعالج المسائل الحساسة كالتطرف السياسي والفساد بحياء.
هكذا ألغى الكاتب شخصية الصحافي المثلي حاتم رشيد، على أن يستبدله بصحافي «فاسد» قد يؤدي دوره المنتج حسام شعبان في أول تجربة له أمام الشاشة، ما يعني أن دور المجنّد «عبد ربه» (عشيق حاتم رشيد) قد أُلغي أيضاً. وأجهزة الرقابة لم تكتفِ حكماً بهذا القدر. إذ طالبت الجهة المنتجة بتخفيف مشاهد التحرّش الجنسي بالشابة بثينة (تؤدي دورها روجينا، بعدما جسدت الشخصية في الفيلم هند صبري). إضافة إلى اختزال عبارات مثل «الحكومة الكافرة» أو «بلد الكفر» في حوارات الشباب الذي دفعته الظروف المعيشية القاهرة إلى التطرّف، أو عبارات إعلانية مثل «نتقابل في نادي السيارات». وهو نادٍ أرستقراطي معروف من المفترض أن تلتقي فيه دولت الدسوقي (لبنى عبد العزيز) بالخياط القبطي ملاك أرمانيوس لتدبير مؤامرة الاستيلاء على أملاك شقيقها المهندس الستّيني زكي الدسوقي (عزت أبو عوف في المسلسل، عادل إمام في الفيلم).
في المقابل، أكد عاطف بشاي لـ«الأخبار» أنّ الرقابة تساهلت معه في مواضيع أخرى، توقّع أن تسجّل اعتراضات عليها. ولعل أبرزها مشاهد تعذيب رجال الشرطة للشاب المتطرف طه الشاذلي (يؤدي دوره الوجه الجديد آسر ياسين). كذلك بالنسبة إلى التوغّل في عالم المتطرفين، والتطرّق إلى الأقباط من خلال تقديم شخصيتين انتهازيتين هما الأخوان فانوس (خادم زكي الدسوقي) وملاك أرمانيوس. ولم تعترض الرقابة أيضاً على المشاهد التي تُبرز حجم الفساد في المجتمع وزيادة معدلات الفقر، إضافة إلى كشف النقاب عن عالم رجال الأعمال وعلاقتهم بالسلطة والنفوذ، وإن طالبت بالتوقف عند حدود معينة. والمعروف أنّ انصياع المسلسل لرغبات أجهزة رقابة التلفزيون يهدف إلى ضمان عرضه على المحطات الأرضية المصرية، خشية أن يلاقي مصير مسلسل «بنت من شبرا» الذي لا يزال ممنوعاً من العرض المحلي حتى اليوم.
ماذا عن الإضافات التي اصطفاها بشاي للنسخة التلفزيونية؟ هناك شخصية سعيد السالك، أحد سكان سطــــــــــــح العمارة، الـــــــذي يخدع الجميع من أجل الحــــــــــصـــــــول على مــــــــــبلغ زهيد من المال. وهو سيواجه بانتــــــــــهازيته، رجال الأعمـــــــــــــال الذيــــــــــن يستـــــــــولون على أموال الشعب، ويحتالون على المصرف بسرقة آلاف الدولارات.
أما الحاج محمد عزام (صلاح السعدني)، ماسح الأحذية الذي أصبح ثرياً بطريقة غامضة، فسيتواصل مع سكان العمارة حيث أسكن زوجته الثانية. وستظهر زوجته الأولى وجميع أولاده. وهذا تحدٍّ ثان أطلقه بشاي، عبر تأكيد التفاعل بين الشخصيات، بخلاف الفيلم حيث لم يتقابل عادل إمام ونور الشريف (دور الحاج عزام).
يذكر أخيراً أنّ المسلسل واجه مخاضاً عسيراً قبل أن يشعل الضوء الأخضر. إذ اعتذرت أولاً المخرجة رباب حسين، ثم انسحب حسين فهمي من شقة زكي الدسوقي. واعتذرت المخرجة هالة خليل، قبل أن ترفض نادية لطفي دور دولت وعمرو سعد دور طه الشاذلي. وقبل يومين، احتفلت الشركة المنتجة مع المخرج أحمد صقر ببدء التصوير، في غياب صلاح السعدني وعزت أبو عوف، ما أعطى لبنى عبد العزيز العائدة بعد أربعين عاماً من الغياب، فرصة تقديم نفسها كنجمة رئيسية في العمل، لردّ اعتبارها بعد أزمتها مع مسلسل «السائرون نياماً» الذي استبعدت منه إثر توقيع العقد. غير أنها لم تنكر خوفها من حكم الجمهور، وخصوصاً أنّها تقدم شخصية عصبية، تحتاج إلى مجهود كبير: فدولت، بنت الباشاوات، تعيش صراعاً مع مجتمع «جاهل» لم يعد يعترف بالألقاب.
من جهته، أعرب الكاتب علاء الأسواني عن دهشته من رفض الرقابة لظهور شخصية المثلي على الشاشة الصغيرة، عازياً ذلك إلى تخوّف بعض المسؤولين من تسليط الضوء على انتشار هذه الظاهرة. وأشار إلى أنّه لا يشارك في عملية اختيار الممثلين، محدداً مهمّته بمتابعة كتابة السيناريو والتطورات التي تضاف إليها. ويتردد أن الأسواني يوافق بمضض على تغيير بعض أحداث الرواية، رغبةً في نشر أعماله على الشاشتين، مشيراً إلى أنه متمسك بمبدأ: «الأديب مسؤول عن النص فقط». وهذا ما سيحدث أيضاً مع روايته الثانية «شيكاغو». إذ قد وقّع عقداً لتحويلها إلى فيلم ومسلسل، مع ناشر الرواية إبراهيم المعلم الذي دخل أخيراً مجال الإنتاج الفني، وكانت باكورة أعماله الحلقات التي يقدمها محمد حسنين هيكل على «الجزيرة». وأكد أن السيناريست الشاب بلال فضل هو المرشح الأبرز لتحويل «شيكاغو» إلى فيلم، متوقعاً أن تشهد الأحداث بعض التغييرات. (انظر الأخبار العدد 179).