محمد خير
قبل 4 سنوات، أحدث سقوط بغداد أثراً بالغاً لدى ملايين العرب. الصدمة التي أخذت بالألباب كان تأثيرها مختلفاً عند محسن عبد العزيز، الصحافي المصري في صحيفة «الأهرام» الذي وجد في ذلك السقوط دافعاً للتنقيب في التاريخ العربي الإسلامي، بغية الإجابة عن سؤال داهمه مع الغبار الذي تصاعد من سقوط تمثال صدام. لماذا كتب علينا ذلك السقوط المستمر؟ لماذا يتوالى سقوطنا من الأندلس إلى فلسطين إلى بغداد؟ ومن بين شعوب العالم، وحدنا نحن «اللقمة الطرية» في أضراس المحتلّين تتاراً وأتراكاً، مماليك وفرنسيين، إنكليزاً وإسرائيليين وطبعاً أميركيين.
في كتابه «الاستبداد من الخلافة إلى الرئاسة» (الدار للنشر والتوزيع ــــ القاهرة) ينتهي المؤلف ـــ غير الأكاديمي ــــ إلى الفرضية نفسها التي انطلق منها. الخطاب يبين من عنوانه كما يقول المثل، والاستبداد وحده ذلك المرض المتأصل في العقل العربي، هو الحائط الصلب الذي سدّ الطريق على كلّ تقدم في التاريخ العربي الإسلامي. وهو الخيط الذي يجمع كل مصائب العروبة، بما يتعلق بهذا الخيط من مظاهر ملازمة له، كالنفاق والرياء وغلبة الثقة على الكفاءة والمصالح على الحقوق. بل إن ثقافة الاستبداد ـــ كما يقول المؤلف ــــ هي التي جعلت الشعر العربي يتأرجح طوال تاريخه الطويل بين أغراض محدودة أبعدته عن اهتمام العالم.
يتتبّع الكاتب علاقة العروبة بالإسلام، وعلاقتهما بالحكم في بدايات الدولة الإسلامية، فيبدأ الكتاب عند لحظة التحوّل الكبرى في تاريخ تلك الدولة، عندما قرّر الخليفة معاوية بن أبي سفيان أن يقوم بـ«توريث» الحكم لابنه يزيد، بدلاً من اتّباع مبدأ الشورى الذي كان سائداً قبل ذلك عند الاستخلاف.
يصف المؤلف بيعة يزيد بالأطول في تاريخ العرب، ويقول إنّ المغيرة بن شعبة هو الذي أوحى بالفكرة لمعاوية، واقترح عليه مبايعة ابنه يزيد على أن يضمن له المغيرة مبايعة الكوفة، ويضمن له زياد بن أبيه مبايعة البصرة. يحكي الكتاب تفاصيل تحوّل الدولة الإسلامية إلى ممالك وراثية متعاقبة. وفي الواقع ثمة مشكلة في تلك الرواية التي نقلها المؤلف عن بعض المصادر التاريخية، فوفقاً للرواية، اقترح المغيرة فكرته عام 56 هجرية، بينما تؤكد أغلبية المراجع أنّ المغيرة توفي عام 50 هجرية.
على أي حال وللمقارنة، يعود الكاتب بالتاريخ سنوات عدة، ليتذكر رفض عمر بن الخطاب توريث الخلافة لابنه عبد الله بن عمر، قائلاً «حسب آل الخطاب أن يحاسب منهم عن أمة محمد رجل واحد».
ينطلق المؤلف بعد ذلك في 13 فصلاً تعتمد على قائمة هائلة من المراجع، في رواية حكايات الاستبداد والمستبدين في التاريخ العربي والإسلامي. وهي حكايات يشي بعضها بأهوال يبدو جوارها طغيان اليوم لعب الأطفال، ويشي بعضها الآخر بأنّ الزمن لا يمر أبداً بين المحيط والخليج.