يتابع كريم غطّاس (مؤسس مهرجان “ليبان جاز”) مشروعه الهادف إلى تعزيز ثقافة الجاز في لبنان، من خلال خلق فرص الاحتكاك المباشر مع عمالقتها المعاصرين. وكان عازف البيانو الفرنسي لوران دو وايلد قد افتتح موسم 2006 ــ 2007، حيث انفرد بآلتهن عازفاً مؤلفاته الخاصة، وقدّم أيضاً بعض كلاسيكيات الجاز على طريقته. وتلاه الثنائي بويان ز. عازف البيانو اليوغوسلافي وجوليان لورو عازف الساكسوفون الفرنسي. أما حفلة الغد، فينتظرها عشّاق الجاز منذ أن أُعلن عنها قبل أشهر. يستضيف “ليبان جاز” بالاشتراك مع ألفتريادس عازف الترومبيت الفرنسي إيريك تروفاز في مناسبة صدور أسطوانته الجديدة Arkhangelsk مع الثلاثي مارك إيربيتا (درامز وإيقاعات)، كريستوف كامبير (كونترباص) وباتريك مولر (بيانو وفندر رودز).يُعتبر تروفاز من أهم موسيقيي الإلكترو ــ جاز في أوروبا والعالم. وهو يملك قدرةً كبيرةً على استيعاب أنماط موسيقية مختلفة بهدف مزجها بالجاز اهتمامه الأول. شبّهه النقاد العالميون بملك من ملوك الجاز... ليس سوى المؤلف الموسيقي وعازف الترومبيت مايلز دافيس وذلك لسببين جوهريين: الانفتاح الموسيقي غير المشروط في سبيل تطوير موسيقى الجاز وعصرنتها من دون أي تساهل مع قواعدها الكلاسيكية. أما السبب الثاني فيكمن في براعة خلق شخصيّة متمايزة لصوت الترومبيت: فعندما يعزف، يتعرّف إليه المستمع من بين عشرات العازفين.
كلّ ذلك دفع أهم النقاد الموسيقيين في مجلة “جاز ماغازين” المتخصّصة لأن يكتب بكل بساطة: “بين مايلز دافيس وإريك تروفاز... لا يوجد أي فرق”. تروفاز يعشق السفر لاكتشاف ثقافات الشعوب الموسيقية والتفاعل معها. وغالباً ما ينتج عن ذلك عمل موسيقي يوثّق للتجربة. آخر هذه الرحلات كانت إلى روسيا، أثمرت أسطوانة حملت إسم مدينة Arkhangelsk الروسية (Blue Note - 2007). سبقت هذا الألبوم سبعة أعمال أنتجتها Blue Note الشركة الأهم في عالم موسيقى الجاز. أولها بعنوان Out of dream (1997). وتعتبر هذه الأسطوانة تاريخيةً لكونها أول إنتاج تقوم به الشركة العملاقة لفريق جاز أوروبي. أما الأسطوانة ما قبل الأخيرة التي تحمل عنواناً عربياً “سلوى”، فكانت ثمرة جولة قام بها تروفاز على أكثر من بلد عربي (الأردن، فلسطين المحتلة، لبنان) وحملت ملامح شرقية وغناءً طربياً باللغة العربية.
في مختلف ألبوماته، يعتمد تروفاز أسلوب المزج بين الجاز والفانك والـ Drum’n Bass وموسيقى الهيب هوب على قاعدة تجمع الآلات الحية بالإلكترونيات والمواد المركّبة فارداً فسحة للغناء في بعض الأحيان يتولاها بالإجمال مغني الراب الإنكليزي NYA.
وهذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها الموسيقي الكوزموبوليتي لبنان. إذ سبق أن قدّم حفلةً ضمن مهرجانات بيبلوس صيف 2004، وفوجئ يومها بصوت المؤذن من الجامع القريب من المدرج. إذ شاءت الصدف أن تكون المعزوفة التي تقدّمها الفرقة في المقام الموسيقي نفسه للأذان. هنا، توقف تروفاز لبرهة، معتقداً بأنّ أحد أعضاء الفرقة استرسل في الغناء من دون اتفاق مسبق. لكن عندما اكتشف الأمر، أكمل المعزوفة مرتجلاً بالتوافق مع ضيف الشرف غير المتوقّع: المؤذن! هذه المرّة يحلّ عازف الإيقاعات اللبناني خالد ياسين ضيفاً على حفلة تروفاز، تبعاً لتقليد يحرص عليه كريم غطّاس، وهو إشراك فنان محلّي بارز في حفلة ضيفه العالمي.
بشير...