باريس ــ عبد الإله الصالحي
على رغم محاولات الترميم الحثيثة التي تجريها بعض الدوائر الرسمية الفرنسية، وكان آخرها تطويب “الفرنكوفونية” ضيفة شرف في “معرض باريس الدولي للكتاب” العام الماضي، فإن مفهوم الأدب الفرنكوفوني صار أكثر فأكثر موضع تساؤل وتشكيك حتى بالنسبة إلى أولئك الذين كانوا، حتى عهد قريب، يصنّفون أنفسهم في خانة الكتاب الفرنكوفونيين... مثل الكاتب الطاهر بنجلون. هذا الكاتب الذي بنى مجده الأدبي على الفرنكوفونية، وانتزع بفضلها “جائزة غونكور”، وقّع أخيراً على “مانيفيستو” ضد الفرنكوفونيّة، إلى جانب عشرات الكتّاب غير الفرنسيين الذين اختاروا لغة موليير حضناً، مثل الكندية نانسي هيوستن واللبناني أمين معلوف وعدد لا بأس به من الكتاب الأفارقة وغيرهم من المنحدرين من جزر الأنتيل.
البيان نعى الأدب الفرنكوفوني بعد التأكد من وفاته بسرعة تدعو إلى الريبة. ودعا إلى أدب عالمي باللغة الفرنسية، معتبراً أنّ الكاتب عندما يلجأ إلى الإبداع باللغة الفرنسية، غير مدعو بالضرورة إلى تبنّي حمولتها التاريخية والقومية والإيديولوجية. وتوقّف موقّعو البيان عند الحيوية اللافتة التي تتمتع بها اللغة الفرنسية، والتي انعكست أخيراً من خلال معظم جوائز خريف 2006 الأدبية... إذ أعادت إلى كتاب غير فرنسيين، من بينهم الأميركي جوناثان ليتل (جائزة غونكور)، والكونغولي ألان ماكبونكو (جائزة رونودو)، والكندية نانسي هيوستن. وأيّاً كانت درجة الصدقيّة التي تنطوي عليها عرائض من هذا النوع، فهي تعبّر، في أقل تقدير، عن الامتعاض الذي صار يسبّبه مصطلح الأدب الفرنكوفوني على الساحة الثقافيّة الفرنسيّة التي تتخبط في جدل ساخن حول مفهوم الهوية الوطنية والمهاجرين ودور اللغة الفرنسية في دمج الوافدين.
أما بالنسبة إلى الجيل الجديد من الكتاب المغاربة باللغة الفرنسية، مثل محمد حمودان (“الحلم الفرنسي”)، وعبد الله الطائع (“أيام الشيطان”)، وعبد القادر لفتح (“آنسا نوميديا”)، ويوسف أمين العلوي (“مغربي في نيويورك”)... فيتعاملون أيضاً بحذر مع الحمولة السلبية لمصطلح الأدب الفرنكوفوني.
هكذا صار كتّاب الفرنسية اليوم بعيدين كل البعد عن الهواجس السياسية التي شغلت الجيل السابق، سواء في تونس أو المغرب، أو الجزائر، مع محمد ديب وكاتب ياسين أو ادريس الشرايبي وعبد الكبير الخطيبي وغيرهم. إن استعمال الفرنسية سلاحاً ضد المستعمر، أو “غنيمة حرب” خطاب تقادمت صلاحيته. وبات الأساسي يكمن ربما في الظروف الشخصية التي تجعل كاتباً ما يتشبع منذ صغره باللغة الفرنسية، ويتقنها حد تبنيها الكامل... أو في آفاق تتيحها الكتابة بالفرنسية التي تُعد لغة عالمية، تمنح لكتّابها حظوظاً أكثر في النشر والانتشار والتفاعل مع القراء حتى لو كانوا يعدّون على الأصابع.