بيار أبي صعب
الأيام تمرّ متشابهة... لا ينقصها سوى إطلالته.
أربعون يوماً كأنّها دهر. هناك من يغصب نفسه على القبول بهذا الغياب الفظيع، ويبحث عن وسائل مواصلة الحياة، مواصلة الطريق، مواصلة المقاومة. “مقاومة” التتار الجدد أولاً وأساساً، إنما أيضاً مقاومة التخلّف بكلّ أشكاله، الفساد والمحسوبيّة والإقطاعيّة والطائفيّة والذكوريّة... والقمع السياسي والفكري. إنّها وصيّة جوزف، نستعيدها كلّ صباح: سياسياً “ننتمي إلى معسكر رافضي الهيمنة، وهو معسكر يمتدّ من قلب الولايات المتحدة الأميركية إلى أقاصي الشرق وأفريقيا وأميركا الجنوبية وأوروبا”، ومهنياً “إلى معسكر الحرص على التعددية والديموقراطية والموضوعية والحداثة والثقافة الإبداعية”.
أمثولة مركّبة وواضحة. ليس هناك تناقض خطير بين خيار “المقاومة” والخيار “التقدمي” و“العلماني”. لا يتطلّب الأمر رؤيويّة كبيرة كي يلاحظ المرء أن القوى التي تقف ضدّ التقدّم والديموقراطيّة والتغيير، هي نفسها التي تبشّر بفردوس “الشرق الأوسط الجديد”. أما الليبراليون المطمئنون الذين يعتقدون أن بوسعهم ــــــ وهم على الحياد، أو في حضن الإدارة الأميركيّة الحاليّة ــــــ أن يبنوا مستقبل أوطانهم على أسس حديثة، ويقفوا ضدّ الطائفيّة والمذهبيّة والأصوليّة والتعصّب والرجعيّة والفساد والديكتاتوريّة والتيوقراطيّة وغياب العدالة الاجتماعيّة... فعليهم أن يباشروا قراءة “الأخبار”.
نعم “الأخبار”. إنّها تركة جوزف لأصدقائه وقرّائه، شركاء الوجع والطموحات المتجاوزين حدود لبنان الضيّقة. ابنته الشرعيّة ومشروعه الأغلى. كيف يبكي جوزف بصدق، من حاول أن يلغي “الأخبار” (غيرة مهنيّة؟ حقد سياسي؟)، أو أن يحتويها؟... ناهيك بالكواسر التي حامت حول التابوت. هناك أشياء مؤلمة لا تقال قبل أن يرفع الحداد... لكن هل ينتهي الحداد على جوزف سماحة؟