قليل من الشعر ـــــ أيضاً ـــــ يفرح قلب الإنسان. وجاهدة وهبه، في «كَتَبْتَني»، تحمل لنا منه الكثير... صاحبة الصوت المقتدر، والموهبة المرهفة، قد يكون الجمهور على بيّنة من ولعها بالمسرح. وهو طبعاً يعرفها من خلال أدائها الرخيم لكنوز الطرب الأصيل... لكن قلّة كانت ــــــ حتى الأمس ــــــ تعرف علاقتها الحميمة بالشعر. هذه المرأة خليلة الشعراء، وكان من الطبيعي أن يأتي يوم يظهر هذا العشق للعلن. هذا هو سرّ الأسطوانة الجديدة: لقد قررت أن تقيم مأدبة (ذات طقوس خاصة)، وتدعو إليها بعضاً من أصدقائها: الحلاج وأبي فراس، أنسي الحاج وطلال حيدر، أحلام مستغانمي وأمل الجبوري ولميعة عباس عمارة، وصولاً إلى غونتر غراس.ليس من السهل اليوم، في العالم العربي، تخصيص أسطوانة للشعر. من تجارب غناء الشعر الحديث في العقود الماضية، أسماء قليلة تبقى، ستقول الأيام إن كانت جاهدة في عدادها. لنكتفِ الآن بالاستسلام لغواية النصوص التي حملتها إلينا “مطربة الشعراء”. صداقتها مع الكاتبة أحلام مستغانمي فتحت لها أبواب الجزائر، وجعلتها تغنّي الجسد. الجسد الوطن، الجسد الرغبة، الجسد الحريّة، جسد الأم ــــــ الخليلة كما في الزمن الـ“أمومي” (matriarcal) السحيق: “يا زهو عمري/ كن ابني (...) أنجبني كي تُنادى بين الرجال باسمي...”. لقاؤها بأمل الجبوري أخذها إلى العراق، ذلك الجرح الغائر في ضمائرنا، فالمجزرة نفسها تمتد من بغداد إلى بيروت. وأمل أدخلتها غابة غونتر غراس. جاهدة كالتروبادور، تعرف أن الحدود واهية بين السفر والشعر والغناء.
بيار...