بيار أبي صعب
بين فناني جيله في لبنان، قد يكون محمود حجيج الأكثر إشكاليّة. ليس فقط لكونه، باستمرار، يخلق مشاكل للمتفرّج، بل لأنّه على علاقة صداميّة بأدوات التعبير التي يتعامل معها. قد تقع في أعمال محمد سويد، أو أكرم الزعتري، أو حتّى غسّان سلهب على مجالات للتفاوض، للتفاهم، لعقد هدنة ما، هنا أو هناك... لكنّك ستبقى لاهثاً خلف محمود حجيج، تسأل نفسك من زجّ بك في هذه الورطة؟ منسحب دائماً، غير قابل للتصنيف، غائب عن حلقات التكريس الضيّقة. على هامش الفنّ هو، بل على هامش نفسه، يعيد صياغة الصورة بسخرية ومرارة وعنف. ينتظر منها ــ أي الصورة ــ أن “تشاهدنا”. لقد آن الأوان لذلك!
محمود حجيج الذي يوجّه له “نادي لكلّ الناس” تحيّة خاصة هذا المساء في “مسرح المدينة” ــ بيروت، مصوّر وفنان فيديو، من جيل ما بعد الحرب الأهليّة اللبنانيّة، الباحث عن نفسه، عن لغته، بين الأنقاض: أنقاض الوطن، وأنقاض الروحفيلمه “الأكثريّة الصامتة” خير تعبير عن هذا الانتماء المؤلم، وما يتمخّض عنه من قطيعة ورفض وعصيان. العمل الذي صدم جزءاً من الجمهور لدى عرضه، هو مانيفستو لـ“سينما” أخرى، مختلفة المعايير والأدوات واللغة، الأداء والتمثيل والتصوير، العلاقة بالواقع، العلاقة بين الروائي والوثائقي، علاقة المخرج بموضوعه... هذا الفنان المتخصّص في تقنيات الاتصال، ينظر إلى العالم من زاوية خاصة وغريبة، تضيع معها نقاط الارتكاز، ولا بدّ للمرء من أن يترك نفسه إذا شاء دخول أحد أفلامه الروائيّة القصيرة، أو الطويلة، التي حازت عدداً من الجوائز في مهرجانات عالميّة مرموقة من باليرمو إلى سان فرانسيسكو، مروراً بـ«فيديو برازيل».
“نادي لكلّ الناس” الذي أصدر أعمال برهان علويّة على DVD، وكرّم مارون بغدادي وجان شمعون، يلتفت أخيراً إلى هذا الجيل الخارج عن السياق. يقدم حجيج هذا المساء مداخلة بعنوان «متى تبدأ الصورة بمشاهدتنا؟»، بعد عرض أقدم أعماله: «ذات مرّة» (1997، 11 دقيقة)، و«بيروت ــ باليرمو ــ بيروت» (1998، 17 دقيقة)، وقد صدرا مع أفلام أخرى في أسطوانة دي في دي عن INCOGNITO مع هذا التنبيه: «انـــــــــتبه، بُعد وأبعاد الصورة المرئيّة غير حقيقيّة». ويعرض أحد آخر أعماله: «سنربح» (2006)، إضافة إلى أفلام إعلانيّة قصيرة لجريدة «السفير»... كل ذلك في انتظار عمله الجديد «بإمكانك الدخول» الذي يعرض الجمعة 13 نيسان ضــــــــمن مهرجان فــــــيديو تنظمه «أشكال ألوان» («وقت لعوب» ــ أفلام تـــقارب مرحلة حرب تمّوز وما بعدها).
«باليرمو» تحديداً فيلم ازدادت قوّته منذ اكتشفه الجمهور ذات صيف بيروتي حافل بأوهام الإعمار، ضمن «مهرجان أيلول» الذي كانت تنظمه باسكال فغالي. منذ خطواته الأولى تعامل حجيج مع فنّ الفيديو كلغة خاصة، مستقلّة، قائمة بذاتها. مع ممثليه «الفائزين» بجوائز غريبة (أدوات التصوير)، يستمتع في اللعب على المكان، على الصورة، على الكادر والحوار واللغة، على الخطاب السياسي والفنّي. بمزيج من الشاعريّة والعبث يؤسلب العنف، ويُخضع الصورة (وتقنيات السرد) لمجموعة من الامتحانات والاستنطاقات. لن ينسى المشاهد مونولوغ محمد شريف «لماذا تعبد قرقمان؟»، أو زياد عنتر «حرب أهليّة على الكمبيوتر»، أو ريما خشيش «أنا ما بدّي غنّي غنّوا إنتو»، وكلّها تحت زخّات الماء... ويصعب أن ننسى نهاية الفيلم، مع ريما خشيش تغنّي في أحد أنفاق بيروت: «يا قلب آخرتا معك»...

نادي لكل الناس: 03/888763
www.nadilekolnass.org
مسرح المدينة: 753010 /01
La Cd-Theque:
01/321485
www.mahmoudhojeij.com