strong>الرياض ـــ علاء اليوسفي
  • أصوات جريئة و«عروض مرئية» للتحايل على المحظورات

    لم يُبرز الإعلام السعودي اهتماماً بالسينما المحلية إلا في السنوات الأخيرة. قبل ذلك، كان المخرجون الشباب يعملون في الظلّ، يصنعون أفلامهم في ظل حصار رسمي وديني واجتماعي. ما هي أبرز سمات هذه الأفلام؟ وكيف ينظر هؤلاء المخرجون إلى تجاربهم التي حصد بعضها جوائز دولية؟ وأين يقف المجتمع السعودي الذي يُعدّ من أكبر مستهلكي أفلام الـDVD على مستوى العالم العربي؟

    ما زالت السينما السعودية تتعثر في خطواتها الأولى وسط محيط لا يتمنى لها أن تمشي إطلاقاً. الا أنّ محاولات محاكاة اللغة السينمائية من مجموعة شباب تشير إلى تصميم على المضي قدماً في ظل انزواء رسمي وتشدد ديني. جواب وزارة الإعلام والثقافة على طلب إنشاء جمعية رسمية للمهتمّين بالسينما اقتصر على عبارة «الوقت غير مناسب في هذه المرحلة». خطاب رجال الدين، باستثناء بعض الدعاة المنفتحين أمثال سلمان العودة ومحسن العوجي، يقرن السينما بالرذيلة.
    كلمة «سينما» وحدها تكفي لتثير الحساسيات، لذلك استعان الشباب بمعجم اللغة العربية في محاولة للالتفاف على التزمت. هكذا، أطلقوا على نشاطاتهم السينمائية صفة «عروض مرئية». هذه العروض وجدت طريقها إلى بعض الأندية الأدبية، في خطوة لم تخلُ من المشاكل وتعدّ اختباراً أو جس نبض في الكباش الحاصل مع التيار المتشدد. وشهدت جدة، الأقل تشدداً على المستوى الاجتماعي، مهرجاناً لـ«العروض المرئية» العام الماضي انتهى بسلام. لكن ما الذي ستؤول إليه الأمور في بلد تغيب عنه صالات العرض؟ وما موقف المجتمع السعودي من هذه القضية، وهو من أكبر مستهلكي أفلام الـDVD، ومشتركي قنوات الأفلام على مستوى العالم العربي؟ هل يرفض فعلاً وجود صالات عرض، فيما يقطع عدد كبير من السعوديين كل نهاية أسبوع جسر الملك فهد الذي يصل مدينة الخبر بمملكة البحرين لكي يذهب إلى السينما؟ ما هي أبرز سمات الأفلام السعودية الآن؟ وكيف ينظر المخرجون إلى تجاربهم التي نال بعضها جوائز في مسابقات إقليمية ودولية؟
    السمة الغالبة على السينما السعودية هي أنّها في معظمها أفلام قصيرة مصورة بتقنية الديجتال. ومخرجو هذه الأفلام هم مؤلفون وكتاب سيناريو. ومن بين 18 فيلماً شاركت في «مسابقة أفلام من الإمارات» الشهر الماضي، حصل سعوديان على جائزتين من مجموع ست جوائز رسمية في المسابقة. وحصد فيلم «إطار» لعبد الله العياف جائزة لجنة التحكيم، فيما نال فيلم «بعيداً عن أنظار الكاميرا» لنايف فايز جائزة أفضل فيلم روائي لفئة الطلبة، وحصل فيلمان آخران على شهادتي تقدير.
    أما الأفلام الروائية فلا تتعدى أصابع اليد الواحدة. خلال العام الماضي، أنتجت «روتانا» ما ادعّت أنه أول فيلم سعودي (كيف الحال) الذي حقق نجاحاً على المستوى التجاري، لكنّه بقي متواضعاً جداً على المستوى الإخراجي والدرامي. وباستثناء القضية التي طرحها الفيلم وهوية المنتج (السعودي أيمن الحلواني) ووجود بعض الممثلين السعوديين، فما تبقى لم يكن سعودياً. ينطبق ذلك على كاتبي السيناريو (اللبناني محمد رضا والمصري بلال فضل) والمخرج (الفلسطيني إيزادور مسلم) وفرق التصوير والممثلين. وكذلك الأمر بالنسبة إلى منافسه الشديد على لقب أول فيلم سعودي وهو «ظلال الصمت» الذي أخرجه عبد الله المحيسن وينظر إليه السعوديون بوصفه السعودي الأول الذي مارس العمل السينمائي وأرسى دعائمه في السعودية.
    قبل هذين الفيلمين اللذين شاركا في سوق الأفلام في مهرجان «كان»، ظهر أكثر من فيلم قصير بارز على الساحة الخليجية مثل «نساء بلا ظل» لهيفاء المنصور و«السينما 500 كلم» لعبد الله العياف و«القطعة الأخيرة» لمحمد بازيد و«سدا» لخالد الدخيل.
    ويحسب لهيفاء المنصور أنّها أخرجت الفيلم السعودي إلى نطاق العالمية مسلّطةً الضوء على التجارب الشابة، خصوصاً بعد عرض فيلمها الوثائقي «نساء بلا ظلّ» للمرة الأولى في القنصلية الفرنسية في جدة، قبل أن يعرض في مهرجانات دولية وإقليمية. حقّق الفيلم أصداء واسعة واقترن بعدها اسم المنصور بالانطلاقة الحقيقية للسينما السعودية...
    يعالج الفيلم الذي يعاني مشاكل تقنية في الإضاءة والصوت، قضية المرأة في السعودية، ويبدأ بلقطة جريئة في أحد الأسواق الشعبية، محورها بائعات يرفضن التصوير والظهور في الفيلم. الضجة التي أحدثها العمل ارتبطت إلى حد كبير بظهور الداعية الإسلامي عائض القرني في الفيلم، وتصريحه بأن المرأة غير ملزمة بوضع الغطاء على رأسها. وعرضت المنصور في شريطها تصريحات قديمة للقرني يرى فيها أنّ المرأة ليس لها سوى منزلها أو قبرها، لتوضح أنّ الفكر الديني المتشدد يتغيّر ولو ببطء، والقرني خير دليل على ذلك. إذ يُعدّ اليوم من أفضل الدعاة المعتدلين فكرياً ودينياً.
    من الأفلام السعوديّة اللافتة أيضاً، «السينما 500 كلم» لعبد الله العياف، ويتناول قضية السينما التي لا تبتعد عن قضية هؤلاء الشباب المخرجين. الفيلم الذي احتفى به «مهرجان القارات الثلاث» في نانت (فرنسا)، مع فيلمين آخرين لعبد الله المحيسن وهيفاء المنصور، يحكي في 45 دقيقة قصة شاب يحلم بمشاهدة السينما والاستمتاع بمؤثراتها الصوتية والبصرية. وبأسلوب ساخر، يسلّط الضوء على شخصية هذا الشاب الشغوف من لحظة استصدار جوازه، حتى سفره براً إلى دولة مجاورة لمشاهدة أفلام على الشاشة الكبيرة.
    لم يبرز الإعلام الداخلي اهتماماً بقضية السينما السعودية إلا في السنوات الأخيرة. يعود ذلك بحسب محمد بازيد مخرج «القطعة الأخيرة» الذي حاز شهادة تقدير في مسابقة أفلام الإمارات العام الماضي، إلى أنّ من يشرفون على صفحات السينما في الصحف السعودية ينحدرون من موقع «سينماك» (www.cinemac.net)، المنتدى الإلكتروني الذي ينتمي إليه معظم هؤلاء المخرجين والذي بات يؤلف مساحة لكل المهتمين بالسينما في السعودية. وتفرد اليوم الصحف السعودية صفحات أسبوعية عن السينما. لكنّ هذا الاهتمام الإعلامي المتأخر بالسينما المحلية ما زال يقتصر على جمهور نخبوي، كما هي حال جمهور هذه الأفلام. وتعزو هيفاء المنصور ذلك إلى غياب ثقافة الفيلم، «ليست هناك مؤسسة رسمية تعنى بدعم الأفلام المستقلة أو الاهتمام بالمخرجين السينمائيين. وهناك غياب للمعاهد الأكاديمية المتخصّصة، إضافة إلى غياب الوعي بأهمية الفيلم كرافد ثقافي، ولأن الشعب السعودي محافظ جداً ولا يزال يرتاب بالفيلم والسينما عموماً».
    وعن العوائق التي تواجهها لكونها امرأة تحديداً تقول «هي العوائق نفسها التي يواجهها المخرج الرجل، فلا بنية تحتية سينمائية في السعودية مثل معامل تحميض أو كاميرات، إضافة إلى غياب الكوادر السينمائية المدربة. بل على العكس، كوني امرأة سلّط الضوء كثيراً على تجربتي وجعلني في الصدارة» أما بالنسبة إلى المرأة السعودية، فترى المنصور أنّ العوائق هي عائلية واجتماعية أكثر منها لوجستية.

    لمزيد من المعلومات عن السينما السعوديّة، زيارة موقع www.cinemac.net