strong>نور خالد
لم تعد الحلقات التجريبية مجرّد «بروفة» لمشاريع برامج تلفزيونية قيد التنفيذ. في المشهد المزدحم بمئات المقدمين والنجوم، صارت الفضائيات العربية تعتمد أسلوب الـ«بايلوت» للترويج والتشويق... والإغاظة!

لم يتّفق نيشان مع تلفزيون «دبي». كان مقرراً أن يقدم حلقات برنامج المنوعات الجديد «تاراتاتا»، لكنه وقّع عقداً مع «ام بي سي»، في وقت كانت الحلقة اليتيمة التي صوّرها، تخضع للمسات الأخيرة في مطبخ المونتاج. لكن تلفزيون «دبي»، في سابقة نادرة، قرر أن يهدي جمهوره يوم الأحد المقبل... الحلقة التجريبية التي سجّلها نيشان قبل أشهر في باريس، وتحدث عنها الإعلام باسهاب. رفدت القناة البرنامج بحملة إعلانية كبيرة نسبياً في الصحف، برزت فيها عبارة: «النجمة يستضيفها النجم»، وللتوضيح: «أصالة نصري يستضيفها نيشان». لم يخبر تلفزيون «دبي» جمهوره، في إعلان «النجومية»، أن الحلقة كانت مجرّد حلقة تجريبية (Pilot) صوّرت في فرنسا قبل أشهر، وأن «النجم» لن يطلّ مرة أخرى في البرنامج، لأنه قرر أن يمشي خطوات قليلة إضافية في حديقة مدينة دبي للإعلام، فيدخل مبنى «ام بي سي» الذي يبعد مئة متر عن مبنى «دبي».
في واقع الأمر، فإن المسألة تتعلق بالمساحة. ليست مساحة الأرقام التي تلعب دوراً في فسخ العقود والانتقال إلى محطات أخرى، وليست مساحة الأمتار بين المبنيين، إنها مساحة حقّ المشاهد في معرفة ظروف ما يبثّ له من مادة تلفزيونية، ما دام هو المعني الأول والأخير بمسألة التلقّي.
سوء سمعة؟
يحتمل «البايلوت» دوماً شبهة التلاعب في عالمنا العربي. هناك سوء سمعة ترتبط بهذه التقنية التلفزيونية التي يقصد بها إجراء «بروفة» لما يمكن اعتماد بثّه لاحقاً من برامج التلفزيون. سوء السمعة مرده إلى طريقة «التصرّف» بشريط، غير مضمون بثّه. يبدأ الأمر من الاستعانة بجيوش من الصحافيين الجدد من أجل تقديم «أعزّ ما يملكونه» من خبرات وعلاقات بغية تسجيل «بايلوت» لمصلحة شركة إعلامية وسيطة، تغريهم بحلم الدخول إلى استوديوهات التلفزيون. بعدها تتفق الشركة الوسيطة مع الصحافي على تصوير مادة تلفزيونية، يبذل فيها جهداً، من دون مقابل مادي أحياناً. وتقدم شريطها الى القناة مرفقاً بتقديرها لعدد الحلقات التي ستعمل على إنتاجها، ونوعية الضيوف، والقيمة المضافة التي سيشكلها البرنامج العتيد في حال عرضه على الشاشة، وبالتأكيد ميزانية العمل. تتم الموافقة والتعاقد. يقترح التلفزيون مذيعاً مختلفاً لتقديم البرنامج، تتوافر فيه مواصفات معينة من النجومية. يتم الاستغناء عن فريق العمل الذي «أغرته» الشركة الوسيطة، ويبقى، منتظراً مغلّفاً أبيض فيه بعض الدولارات أو حتى رسالة شكر أو اعتذار. لماذا لا يتم اللجوء، من الأساس، إلى المذيع الذي «عليه العين» للقيام بتسجيل «البايلوت»؟ ببساطة لأن النجم قادر على اجتياز الحديقة برشاقة. من هنا، يقول أحد العاملين في تلفزيون «دبي»: «سبّب لنا الأمر إرباكاً كبيراً، اضطررنا إلى بثّ الحلقة بسبب التكاليف الباهظة التي أنفقت على إنتاجها، ولأن نجوماً كنيشان وأصالة يجذبان المشاهدين. ثم قرر المقدم الانتقال إلى شركة أخرى، ما جعلنا نعيد النظر في شكل البرنامج ككل. قلنا فليكن تقليداً. سوف يقدم كل حلقة مذيع مختلف. سيتغير في «تاراتاتا» الضيوف والمقدمون. هكذا، حرّضنا الإرباك على ابتكار شيء غير مسبوق في تاريخ البرامج التلفزيونية»، يشرح المسؤول في قناة «دبي»، طالباً عدم ذكر اسمه. إلا أن علي الرميثي، مدير القناة، رفض في اتصال مع «الأخبار» اعتبار الحلقة تجريبية، مشيراً إلى أن المذيع اللبناني شارك في البرنامج لتقديم سهرة واحدة فقط.
توصيل مجاني
من دبي إلى القاهرة، تفاخر شركة «سواتل» بأنها «أضخم شركة توصيل مجاني (ديليفري) للمحتوى الإعلامي» في الفضاء العربي. موقعها على الإنترنت (www.sawatel.com) يعطي فكرة وافية عن هوية الفضائيات التي تزوّدها «سواتل» بالمضمون، وتحديداً نشرات الأخبار السياسية والاقتصادية. تختص الشركة بتقديم عروض «البايلوت» على الصحافيين. هناك لائحة تضمّ على الأقل أسماء عشرة صحافيين، يفضلون أن يطلقوا على أنفسهم لقب... «ضحايا سواتل». يقول أحدهم، وهو مقيم بين القاهرة ودبي: «اتصلوا بي، وقالوا إنهم يتابعون إنتاجي في إحدى المجلات الاقتصادية المتخصصة، ويرغبون بالتعاون معي، لمصلحة برنامج يعدّونه للقناة الكويتية». بعد أشهر من الأخذ والردّ، تضمنت إعادة تسجيل «البايلوت» أكثر من مرة حتى يلائم تطلعات التلفزيون الكويتي، «سخّرت خلالها أقوى علاقاتي للخروج بتقارير عميقة»... ماذا حصل؟ «لم يعد المسؤولون في الشركة يجيبون عن اتصالاتي ولا عن رسائلي الإلكترونية».
المفاجأة تمثّلت بورود اتصال من «سواتل» إلى الصحافي بعد أشهر: «قال أحدهم لي مرحّباً، نتابع عملك في المجلة الاقتصادية، نريد أن نتعاون معك في بايلوت لمصلحة قناة في السعودية».
يذكر أخيراً أن «تاراتاتا» حقق شهرة واسعة منذ بدء عرضه على قناة «فرانس 2» في عام 1993. وفي بيروت، يتم إنتاج وتصوير السنخة العربية التي تتميّز بالمؤثرات التقنية العالية، ويخرجها باسم كريستو. وفي الحلقة التي يقدمها نيشان، يستضيف أصالة والشاب خالد، وفلّة الجزائرية، ورامي صبري وريان. فيما يستضيف بركات الوقيان في الحلقة الثانية صابر الرباعي، وأسماء المنور وملحم زين. وتحاور ملكة جمال لبنان السابقة دينا عازار وديع الصافي ورويدا المحروقي وشيرين وجدي في الحلقة الثالثة.

«تاراتاتا» كل أحد 21:30 على قناة «دبي»