سعد هادي
تبدو «السراب الاحمر» (دار المدى ـــ 2007) وهي الرواية الثانية لكاتبها علي الشوك بعد «الاوبرا والكلب» (1999) كأنها سيرة حياة لكاتبها. إنّها بقليل من التعديلات تكاد تتماثل مع ما هو معروف عن حياته. وقد يكون العنوان الفرعي للرواية «سيرة حياة هاشم المقدادي» مؤكداً لذلك. فالمقدادي ما هو الا قناع يتخفى خلفه الروائي لكنّه لا يخفي سوى بعض ملامحه.
أكثر من ذلك، تبدو «السراب الأحمر» كأنّها سيرة حياة نموذجية لمثقّف عراقي من جيل الخمسينيات، يساري، درس في بيروت وشيكاغو، ثم عاد الى بغداد مع زوجة أميركية يسارية أيضاً. لقد سكنته حمّى السياسة، مثلما يقول، منذ اليوم الاول لوصوله. كانت حمى بكل معنى الكلمة. وجد العراق مسيّساً بكل طبقاته وفئاته وأجناسه. هذه الحمى انتهت بكارثة مع استيلاء البعثيين على السلطة في شباط (فبراير) 1963.
سُجن هشام المقدادي سنتين وهاجر بعد اطلاقه.. لكنّه يفارق بلده الى الأبد. عاد مرةً أخرى بعد انقلاب تموز (يوليو) 1968. لم يُسجن هذه المرة لكنّه عاش سجناً من نوع آخر، سُجن مع الذين خدعتهم الشعارات البراقة ووعود التغيير. هكذا، اعتزل السياسة وأحجم عن المشاركة في أي نشاط يحسب على جهة ما، لكن بلا جدوى. كان هناك من يطارده باستمرار ليكون في حزب السلطة، يظل يتذكر في هذا الصدد ما قالته امرأة يعرفها: «في العهد الملكي كانوا يعاقبون الناس لتدخلهم في السياسة، أما اليوم فيلاحقونهم اذا لم يتدخلوا في السياسة».
إنّها لعنة تظل تلاحقه، لا فكاك منها سوى الهجرة بلا عودة. «شعرت بانقطاع الخيط الذي يشدني الى هذا الوطن ورحت أفكّر في فداحة الوضع الذي لا يختلف عن العبودية، المواطن أصبح عبداً للسلطة، لا يحق لي أن اكون مستقلاًّ، لا يحق لي حتى الاستقالة، أليست هذه عبودية؟».
في سياق الرواية، يشير الكاتب الى معظم شخوصه بأسمائهم الحقيقية، غائب طعمة فرمان، فائق حسن، جعفر أبو التمن، كامل الجادرجي. حتى الذين يغيّر أسماءهم، ما يذكره كشواهد من افعالهم يكفي للتعرف إلى شخصياتهم. فؤاد التكرلي وسعدي يوسف مثلاً، ظاهران للعيان في مواضع متفرقة رغم انهما يحملان اسمين مختلفين.
«السراب الاحمر» تشبه السيرة الذاتية أيضاً في بنائها الروائي، إنّه بناء غير واضح المعالم، ذكريات متتالية تتكرر أحياناً أو تتشابك، وتتم روايتها على طريقة الحكّائين التقليديين. كل يروي حكايته وعلينا استخلاص الحكمة في النهاية. صاحب «أسرار الموسيقى» (2003) يذهب هذه المرة الى مديات أكثر تحرراً من المديات التي بلغها في روايته الاولى. وعلى رغم كل ما سيقال عن هذه الرواية، فهي تمثّل جانباً من تجربة مثقف عراقي من جيل التنوير الحقيقي، جيل الريادة والتغيير الذي غاب أو غُيّب معظم رموزه.