نور خالد
تشهد دبي بعد أيام انطلاقة العرض العالمي الأوّل لمسرحية منصور الرحباني «زنوبيا» التي تشارك في بطولتها كارول سماحة. لكن ملكة تدمر تحارب روما بيد، وتكنّس بالأخرى «الإسقاطات السياسيّة على الواقع اللبناني»

هناك فيض من الثقة بالنفس والاعتداد بالشخصية، يغرقك وأنت تستمع الى كارول سماحة تتحدث عن خياراتها الفنية في السنوات الأخيرة. شيء أقلّ من الغرور وأكبر من التواضع. في المساحة الفاصلة بين «أضواء الشهرة» و«أضواء المسرح»
، عرفتهما سماحة، وتسعى الى المعادلة التي توّفق بين جماهيرية الأولى ونخبوية الثانية. حين قررت أن تخرج من غرفتها في كواليس الخشبة، ولا تعود اليها، لم يكن تمرّدها غضباً على قسوة المسرح الرحباني الذي قد يتحول إلى «سجن جميل». كانت أحلامها بالانتشار قد ضجّت في رأسها وأرهقتها: «لو استمررت على الخشبة فقط، كنت ظلمت نفسي وإمكاناتي. العمل مع فريق واحد، لسنوات طويلة، لا بد أن يؤدي الى التصادم. ووقع التصادم في لحظة كنت قد حسمت فيها أمري للتوجه الى وسائط أكثر جماهيرية، الفيديو كليب أحدها، وعبره بيّنت إمكانات لا يظهرها المسرح». لكنها لن تكون جاحدة في حقّ «أبي الفنون»: «لن أتخلى عن الخشبة». ليس وفاء بقدر ما هو تحدّ. تقول: «المسرح يفضح الفنان، يعرّيه أمام الجمهور. ليس كل من اعتلى خشبة وغنّى، بوسعه أن يعتلي مسرحاً». لعلّ سماحة تريد أن تحرج، عبر اطلالتها المسرحية، «زميلات» يتواجدن معها على لائحة واحدة تسطّرها الشركات المنتجة لأشرطة السوق والفيديو كليب. هي على اللائحة ذاتها، وإن قدمت فناً متمايزاً، صوتاً ورقصاً وأداء. الاستهلاك، ميزة عصرنا، لا يميّز بين الغث والسمين. المسرح وحده يعلي شأن الفنان، يخرج سماحة من تلك اللائحة ويضمن لها مساحة متمايزة. في هذا السياق، بوسعنا أن نفهم رغبتها في العودة الى الرحابنة عبر عمل يكتب خصيصاً لامرأة. لها. لم تعد الفتاة الرشيقة التي بهرت الجمهور في كليبات تدوس فيها على العنب وتتحسس أنوثتها، وترقص بجنون، ترضى بأقلّ من النجومية. كتب منصور الرحباني «زنوبيا». قال لها: «ايتها المجنونة، لدي دور لك... عودي». أغراها الدور. لكنها، بحكم تجربتها مع الشركات، وفهمها لمنطق السوق واللوائح، قررت أن تكون أكثر نضجاً في التفاوض على أجرها. لم يتفق الطرفان، فأتوا بلطيفة. إنها عادة المسرح الرحباني حين يقرر معاقبة أبطاله. «لا أحد فوق المسرح»، ربما نطقها منصور أو ابنه مروان، مخرج «المتنبي» و«سقراط» والرعيان والطوائف. تلك عادة قديمة، في زمن سابق تخاصمت فيروز مع الرحبانيين. ذهبوا الى القاهرة وأتوا بعفاف راضي. لم تنجح التجربة، فالجمهور يحبّ فيروز، يريدها دوماً الى جانب الأخوين. هل يفضل الناس كارول على مسرح الرحابنة أكثر من لطيفة؟ هذا سؤال محرج يحتاج الى استفتاء شفاف. لطيفة اعتذرت عن «زنوبيا»، قالت إن الامر يتضارب مع أجندتها الفنية. عاد الدور الى كارول. تمّت مراضاتها، «ليس من الصعب ارضاء كارول»، يقول مروان الرحباني. وتوضح هي: «قلت لمنصور أتمنى ان أجسّد زنوبيا بطريقة أجمل من شخصها الذي في خيالك». أحبّت الشخصية، بقوتها وذكائها وعنادها وأنانيتها. لدى سماحة شيء من كل ذلك، تتفاوت درجاته. لديها جرأة كبيرة في قول الأمور الحاسمة: «لا أريد أن أكون فنانة مقاومة. أكره مصطلح الفنانة الملتزمة. لا أقرأ أغنيتي «في صباح الألف الثالث» أو تجسيدي دور الملكة التي تقاتل روما، من زاوية الفن الملتزم. هذا إسقاط يجرّنا الى الواقع السياسي الضيّق للبنان، والأوسع للمنطقة. لدي قناعات سياسية أحتفظ بها لنفسي، لكنني أكره لقب الفنان المقاوم. هذا ادعاء، والتزام الفنان الحقيقي يجب أن يكون لمهنته فقط». إنها دعوة مؤثرة إلى عدم التفاعل مع معاني المقاومة التي تعكسها شخصية زنوبيا التدمرية... دعوة مؤثرة إلى عدم التأثّر!
كارول سماحة تخصع يومياً لساعات طويلة من البروفات مع انطوان كرباج وغسان صليبا ونادين الراسي ويوسف الخال وغيرهم. وقد عقد نجوم العمل ومخرجه مروان الرحباني مؤتمراً صحافياً في دبي أول من أمس، للتعريف عن المسرحية. تجنّبوا خلال اللقاء الحديث عن الإسقاطات السياسية لملحمة ملكة تدمر التي قاومت جيوش الاحتلال، واكتفوا بالتركيز على قيمة المسرحية الجمالية وعناصر الإبهار فيها.
تبدأ «زنوبيا» في 18 الشهر الجاري على مسرح أقيم في الهواء الطلق خصيصاً للعرض، بالقرب من مدينة دبي للاستوديوهات. وتستمر العروض التي تنتجها حكومة دبي حتى 23 نيسان، ويشارك فيها نحو 130 ممثلاً وراقصاً. وقد أسهم في التلحين والتوزيع أسامة ومروان وغدي والياس الرحباني.


بدءاً من 18 نيسان (ابريل) في دبي