دمشق ـــ خليل صويلح
هل تستيقظ الدراما السورية قريباً على حصار من نوع جديد؟ المنتج الخليجي بدأ يفرض على المخرجين في دمشق شروطاً مقلقة، فارضاً التخلّي عن القضايا المحلية، والتركيز على مكافحة الإرهاب... وحذار مهاجمة أميركا!

قبل أن تدور كاميرا مسلسل «ذاكرة الجسد» بأيام، فوجئ مخرج العمل هشام شربتجي بقائمة جديدة من الممثلين، اقترحتها الجهة المنتجة عليه. وإذا به يكتشف شطب أسماء خمسة ممثلين أساسيين، كان قد اقترحهم ليكونوا أبطال العمل، بينهم الشخصية الأساسية (خالد) التي كان من المفترض أن يلعبها غسان مسعود، ليحلّ عابد فهد مكانه. وعندما حاول المخرج الاحتجاج، أجابته الشركة المنتجة للعمل بأن زمن المخرج الذي يختار ممثليه قد انتهى: «فنحن في الزمن الأميركي واقتصاد السوق، وليس من مهمة المخرج توزيع الأدوار». ما كان من هشام شربتجي إلا أن أعلن انسحابه من العمل الذي انكبّ على كتابة السيناريو التنفيذي له أشهراً عدة تحت إشراف كاتبة الرواية أحلام مستغانمي، وقد أُسند إخراج العمل لبسام سعد. الأمر ذاته تكرر في مسلسل آخر هو «على حافة الهاوية» عبر استبدال بسام كوسا بجمال سليمان، بناء على رغبة الشركة، وليس خيارات المخرجانتهاك حقوق المخرج أو المؤلف وحتى الممثل، لم تعد مسألة جديدة في المطبخ الدرامي، فهي تحدث كل يوم تقريباً، في ظل تنامي سيطرة شركات الإنتاج على مجريات العمل الفني بكل عناصره، بسطوة المال وحسب. وصار المؤلف المرغوب هو «كاتب تحت الطلب»، يفصّل قماش المسلسل كما ترغب الجهة المنتجة، وحسب توجهات المرحلة. هكذا افتقدت معظم الأعمال الدرامية السورية الجديدة الممولة خليجياً، نكهة البيئة المحلية وخصوصيتها لتواكب متطلبات شركات الإنتاج. وإذا استمرّت الحال ضمن هذه الشروط، فيتوقع أن تنتهي الدراما السورية إلى طريق مسدود، ما دام رأس المال ليس سورياً. وربما لهذا السبب حذّر المخرج نجدت أنزور منذ فترة قريبة من مؤامرة «سعودية» تحاك ضد الدراما السورية، فيما قال هشام شربتجي: «لست مستعداً لإخراج عمل من طراز «دعاة على أبواب جهنم» على سبيل المثال، واعتقد أن أعمالاً من هذا النوع تُنتج بتوصية من جهات سياسية».
ترفع الجهات الخليجية الممولة لافتة جديدة عنوانها «مكافحة الإرهاب»، وهي البضاعة الدرامية الوحيدة المرغوبة اليوم. ويوضح كاتب سيناريو سوري معروف أن هذا المخطط بات مكشوفاً، وقد خرج إلى العلن. ويؤكد أنّه تلقى شخصياً إغراءات مالية لا يحلم بها، لكتابة عمل درامي عن مكافحة الإرهاب، والإسلام المتسامح، شرط أن يصرف النظر عن أسباب الإرهاب ومكوناته الاجتماعية، ودور الأنظمة العربية في تأجيج هذه الموجة. ويتساءل هذا الكاتب: «كيف سأخترع حكاية عن الإرهاب من دون تفكيك مسبباته وآلياته، وإسقاطها على مجتمع آخر، ليست من نسيجه الاجتماعي». ويضيف مستدركاً: «هناك شرط آخر أكثر صعوبة، وهو أن تتجاهل دور أميركا في تصعيد موجة الإرهاب في المنطقة». ثم يعلّق ساخراً: «المحصلة في هذه الأعمال هي أنّ «أميركا خطّ أحمر»، وبالمقابل عليك أن تدين شخصية الإرهابي، كأنه جاء من كوكب آخر»ولكن هل الدراما السورية في خطر؟ يجيب: «هذا أمر مؤكد، ما دامت هذه الدراما تنهض على رأس مال خليجي لديه هدف خاص به، بإمكانه في أي لحظة أن يسحب بساط التمويل من تحت أقدام هذه الدراما، ويوجّهها حسب بوصلته واهتماماته. وهو ما حدث فعلاً قبل سنوات، حين توقفت محطة «اي آر تي» فجأة عن تمويل الدراما السورية». ويتذكر قائلاً: «أين اختفت مسلسلات الفانتازيا التاريخية اليوم. ألم تكن بتشجيع وتمويل من شركات إنتاج خليجية، حتى حسبنا أنفسنا لفترة طويلة، إننا ساموراي ياباني في الأزياء وطريقة القتال والمبارزة؟ ثم جاءت موجة مسلسلات الحنين إلى الفردوس المفقود في الأندلس». والآن، يوضّح الكاتب: «مطلوب منا أن نبدأ نقطة من أول السطر، ونمحو مخزون الذاكرة، ونقتحم الشاشة بشخصيات إرهابية تحطم كل ما في طريقها، لغتها الوحيدة للحوار هي الأحزمة الناسفة والقتل الجماعي. وكأن الأمر يجري في شريط رسوم متحركة للأطفال، من دون أن نسأل أنفسنا، عن أسباب هذا العنف والتطرف الأصولي في المنطقة. منطق هذه الدراما هو أن تغمض عينيك وذاكرتك عما يحدث للخريطة العربية الممزقة، وعما تفعله أنظمة قمعية بشعوبها، إلى درجة فقدت فيها هذه الشعوب حس المواطنة، وتالياً ينبغي أن تدين الضحية وحسب، لتستقيم شروط الفرجة والتسلية».
ويرى بعضهم أنّ البديل الوحيد لإنقاذ الدراما السورية من الانهيار، هو تأسيس صندوق وطني للتمويل، والتخفيف من وطأة الرقابة على النصوص، كي تقدّم صورة واقعية للحياة، من دون القفز عن المشكلات الطارئة التي أفرزتها التحولات الجديدة... قضايا مثل الفساد والبطالة، والمجتمع المدني، والعنف ضد المرأة، وانهيار الطبقة الوسطى، تحتاج إلى مكاشفة صريحة، وألّا تبقى، كما هي الحال اليوم، أفعالاً مبنية للمجهول... والفاعل دائماً ضمير مستتر!