جورج موسى
هل استخدمت إسرائيل اليورانيوم خلال حرب تموز؟
أمضى المخرج عبد الله البني أشهراً يبحث عن إجابة. والنتيجة شريط بعنوان «دفاعاً عن النفس!» يشارك بعد أيام في مهرجان «الجزيرة» الثالث للأفلام التسجيلية، قبل أن يعرض في ملبورن وواشنطن


بين القصص التي يقدمها فيلم «دفاعاً عن النفس» حكاية علي الذي أصابت القنابل العنقودية أسرته في بلدة بليدا، وعائلة محمد التي استهدفتها غارة إسرائيلية أثناء هروبها من الطيري، وفادي الذي فقد أهله في مجزرة الشياح... لكن المخرج عبد الله البني لم يكتف بسرد القصص والتحدّث مع أبطالها. عندما وضعت الحرب أوزارها في 14 آب (أغسطس) الماضي، بدأت تتكشف وجوه أكثر بشاعة للعدوان الذي نفذته حكومة أولمرت مستعينة بأسلحة أميركية، ومتخذة من «الدفاع عن النفس»، ذريعةً لذلك. هكذا، رصد الوثائقي معاناة الناس، لكنه ركّز أيضاً على دحض الحجة الإسرائيلية، من خلال متابعة التحقيقات بشأن إلقاء إسرائيل ما يزيد على مليوني قنبلة عنقودية في الساعات الـ 72 الأخيرة للحرب، واستخدام سلاح الفوسفور، وعثور خبراء على مادة اليورانيوم المخصّب في عدد من المناطق اللبنانية.
بدأت القصة في 12 تموز (يوليو)، عندما وصل البني إلى لبنان لتمضية إجازته السنوية. لكن العدوان الذي اندلع في اليوم التالي، أبقاه محاصراً في صيدا لمدة أسبوع. ولأنه اعتاد تغطية الحروب (لبنان، أفغانستان والعراق)، كانت الكاميرا رفيقته الدائمة في الأوقات العصيبة. تمكّن مراراً من تصوير الغارات الجوية والزوارق الحربية والأماكن التي تتعرّض للقصف. وحين انتقل إلى بيروت، دأب على زيارة الضاحية يومياً لمدة نصف ساعة. وبعد شهر من توقف العمليات الحربية، تابع البني عودة النازحين إلى قراهم المدمرة، ثم انتقل إلى الدوحة حيث طلب مقابلات مع شخصيات سياسية وقانونية وجنائية لاستكمال عناصر القصة. وهنا، عمل مراسلو القناة في فلسطين ولبنان ولندن على تزويد فريق العمل بمقابلات مع الرائد أفيتال ليبوفيتش والنقيب أفيخاي أدرعي من الجيش الإسرائيلي، الصحافي ميرون رابابورت الذي فجّر قضية القنابل العنقودية في «هآرتس»، وزيرة التربية الإسرائيلية السابقة شالوميت ألوني، والعالم البريطاني كريس بابسي الذي أجرى أبحاث اليورانيوم والمحامي الأميركي فرانكلين لامب، وكبير المحللين العسكريين في «هيومن رايتس ووتش» مارك غلاسكو إضافة إلى الزميل عمر نشابة، المتخصص في علم الجريمة. في الوثائقي، ينطلق بعض المتحدثين من الأبحاث والمقالات للإشارة إلى وجود اليورانيوم المخصّب. وهو ما أثتبثه الدكتور بابسي الذي اكتشف هذه المادة في عينات من حفر قذائف في منطقة الخيام، وعبر «فيلتر» هواء سيارة إسعاف من ضاحية بيروت الجنوبية.
لكن الشريط، في المقابل، أخفق في الحصول على شهادات من الأمم المتحدة، خصوصاً أنّ التقرير الصادر عن المنظمة أظهر عدم وجود أدلة تثبت وجود اليورانيوم المخصّب أو المنضب في جنوب لبنان. وهو ما يضع العمل أمام معضلة حقيقية. ويوضح البني: «اتصلنا بهم وطلبنا مقابلة تلفزيونية. انتظرنا شهراً كاملاً، لكننا لم نستطع مقابلة أحد». ويشير المخرج اللبناني إلى «احتمال كبير بأن إسرائيل قامت بتجربة أسلحة غريبة قابلة للشحن بمواد قاتلة ومدمرة مثل اليورانيوم. ونحن اليوم، نتابع التحاليل المخبرية التي يقوم بها الدكتور علي قبيسي على عينات من بلدات جنوبية عدة. وقد أظهرت نتائجه وجود يورانيوم منضّب في حفرة «الجلاحية» في الخيام». لذا، يرى البني عمله مجرّد جرس إنذار لتوعية الرأي العام، «طلب منا دكتور بابسي رصد المستشفيات في لبنان، خصوصاً المواليد الجدد الذين يمكن أن يولدوا مصابين بتشوهات خلقية. وإذا عثر على حالات مشابهة، يكون ذلك دليلاً قاطعاً على وجود اليورانيوم. وقد بدأتُ فعلاً متابعة بعض المستشفيات، علماً بأننا نعدّ لخطوات إنتاجية ثانية عن الموضوع».
عمل البني على دمج جزءي الفيلم في شريط واحد، مدته ثمانون دقيقة. وأعد نسخة إنكليزية من أجل المشاركة في مهرجانات الأفلام، بينها «الجزيرة الدولي الثالث»، ومهرجان ملبورن الدولي للأفلام في أستراليا. وطلب ناشطون أميركيون نسخاً لعرضها في جامعات ومعاهد أميركية ومناقشة مضمونها.
يذكر أخيراً أن مهرجان «الجزيرة للأفلام التسجيلية» ينطلق في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، ويستمر حتى السادس والعشرين منه. ويشارك فيه 119 فيلماً طويلاً ومتوسطاً وقصيراً، إضافة إلى عشرة أفلام أفق جديدة. ويدخل المنافسة عدد من المخرجين اللبنانيين، بينهم هادي زكاك ومي المصري وأيمن زغيب.

قريباً على «الجزيرة الوثائقية» و«الجزيرة الدولية»