الجزائر ــ زهية منصر
مولود فرعون يعود إلى قرائه في عمل جديد، بعد 45 عاماً على رحيله. صاحب «الأرض والدم»، سقط في الجزائر العاصمة عشيّة استقلال بلاده، مع خمسة من زملائه، برصاص منظّمة إرهابيّة يمينيّة هي «التنظيم السرّي المسلّح» (OAS). وها هو الكاتب الجزائري، البربري، يعود أخيراً عبر رواية «حي الورود» (La cité des roses) التي أصدرها أبناؤه بعد وفاته.
الرواية المذكورة سبق أن قدّمها فرعون سنوات قبل رحيله إلى دار «لو سوي» الفرنسية، لكن ناشره طلب إجراء تعديلات عليها، فرفض وصرف النظر عن فكرة إصدارها. وتعرقل ظهور المخطوط إلى النور كل هذه السنوات في فرنسا، إلى أن جاءت الذكرى الخامسة والأربعون لاغتيال فرعون، فقررت أسرته نشر النص المكتوب في سنوات حرب الاستقلال، ضمن اطار الجزائر عاصمة الثقافة العربيّة لعام 2007. وتكشف النقاب عن العديد من الأمور الغامضة في حياة فرعون وفي مقدّمتها مواقفه من الثورة الجزائرية والاستقلال.
وعلى عكس رواياته السابقة «نجل الفقير» و«الدروب الوعرة» و«الأرض والدم»، حملت رواية «حي الورود» مواقف صريحة من الاستقلال والثورة. إذ رأى الكاتب أنّ استقلال الجزائر هو السبيل الوحيد لخلاص الشعب الجزائري على رغم ما كان يحمله فرعون من نبذ للعنف. يتناول الكاتب في روايته حقبة صعبة من تاريخ الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي، عندما كان جزء من سكان الجزائر، الفرنسيي الأصل، يتمسّكون بفكر الجزائر الفرنسية، ويرون أنها جزء لا يتجزّأ من فرنسا. هكذا، حاول فرعون توضيح حقيقة العلاقة بين الجزائري والمستوطِن (ويعرّف هؤلاء بـ«الأقدام السوداء»)، مصوراً صعوبة جمع الاثنين في علاقة، ما دام الحقد ثالثهما.
رواية «حي الورود» تجري أحداثها في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، بعد معركة الجزائر، وتحكي قصة مدرّس جزائري من أصول بربرية يقع في حب معلمة فرنسية جاءت إلى الجزائر بحثاً عن زوجها. وتذهب الأحداث في وصف العلاقة التي بدت مستحيلة بحكم ارتباط الطرفين. لكنّ المعلمة فرانسواز تختار في النهاية حبيباً آخر، من «الأقدام السوداء»، وترفض حب الجزائري الذي حاول أن ينقل قيم التسامح والحب لابنة فرنسا «المتعجرفة».
الرواية ليست قصة حب عادية، بل تحيل إلى مرحلة تاريخية للجزائر في السنوات الأخيرة للاستعمار الفرنسي. وتجري أحداثها في حي شعبي فقير في العاصمة الجزائرية. وكانت المرة الأولى التي يختار فيها فرعون المدينة لكتابة رواية. إذ إنّ أعماله السابقة كلها تجري في الريف، وتنقل قيم المجتمع المحلي الى أبناء الوافدين من فرنسا. ورأى النقاد والدارسون، صدور «حي الورود» (دار «يام كوم»)، بمثابة ظهور الحلقة المفقودة في مسيرة فرعون الأدبيّة. وكان الأديب المصري علاء الأسواني قد عبّر عن إعجابه بالأديب الجزائري الراحل الذي كتب بالفرنسيّة، وكشف أنه تأثر به، واصفاً روايته الأولى «ابن الفقير» (1950) بـ«البديعة».