خالد صاغيّة
بعد ستّين عاماً من الصراع مع إسرائيل، اكتشف العرب أصل المشكلة: نقص في الترويج. كان لا بدّ أن ينتظر العالم العربيّ ستّين عاماً حتّى يصبح غنيّاً بمواهب «الماركتينغ»، فتتمكّن أنظمته الإلهيّة والعلمانيّة من ترويج «مبادرة السلام». سيتولّى العرب، كما يقولون، «شرح» مبادرتهم. والواقع أنّ ما يحتاج إلى شرح ليس إلا إطلاق صفة «مبادرة» على ما تحمله أنظمة تنحصر علّة وجودها بأنّها لم تبادر يوماً إلا إلى قمع شعوبها.
ما ينكبنا إذاً منذ عام 1948 هو النقص في خبرات التسويق. لذلك، سيحتلّ لبنان الواجهة في المرحلة المقبلة، باعتباره مركزاً لخبرات كهذه. فهذا الوطن الصغير قد أعاد إعمار عاصمته لتصبح المركز التجاري في الشرق الأوسط. ونتج عن مشروع إعادة الإعمار هذا تدفّق الرساميل والاستثمارات الأجنبية، وخصوصاً بعد إنشاء الجسور والطرقات والمباني بعرق العمّال السوريين وتعب الأجيال القادمة المرتهنة لفوائد الديون. وأصبحت بيروت مركزاً مصرفياً إقليمياً، بعدما أصابت مصارفها التخمة منذ أن وقعت على الفانوس السحريّ لسندات الخزينة.
لن يترأس لبنان الوفود اللاهثة إلى تل أبيب. لكنّه، بالإضافة إلى خبرته، سيقدّم النموذج، نموذج ما ستؤول إليه أوضاع المجتمعات حين لا تتحرّك عملية السلام. نموذج ما يمكن المعتدلين العرب أن يمثّلوه من قوّة حين يخبطون بأرجلهم الأرض. ونموذج لإمكان ترويض مشاعر الشعوب العربية المعادية لإسرائيل، عبر إغراقها في المستنقعات الطائفية. ابحثوا عن سرّ هذا النموذج الناجح في أروقة السرايا.