بيار أبي صعب
اعتزل رشيد الضعيف الشعر ذات يوم، كما تتحجّب الفنانات في مصر. حجابه هو كان الرواية! فاجأ بها معاصريه منذ «المستبدّ» (1983)، كما فاجأهم حين أصدر ديوانه الأوّل عن «دار الفارابي» ودار «لو سيكومور»، وكان بعنوان «حين حلّ السيف على الصيف» (1979). وفيه كتب أن «أعلى قمّة في العالم نهدُ امرأة مستلقية (والشتاء يدفع الشتاء)»!
لماذا أقلع العم رشيد عن الشعر؟ «لأنني بدأت أصنّف شاعراً، وهذا ما كان يزعجني عند مواجهة أبويّ وإخوتي العاملين بجهد... لكسب رزقهم ». هل نفهم أن الرواية بدت له حرفة أكثر جديّة واجتهاداً وتعباً، بحيث يفخر بها في مواجهة أهله الكادحين؟ هناك سبب آخر لاعتزاله، هو امتعاض الناشرين من الشعراء، وهو «يكره الشفقة». هذا ما يكشفه في مقدّمة «أعماله الشعريّة» التي أعاد رياض الريّس نشرها أخيراً، بعد 12 رواية كادت تنسينا أن الرجل بدأ حياته الأدبيّة شاعراً.
شاعر؟ لم يكن الضعيف يعتبر تلك الكتابات شعراً، بل خواطر وحكماً وتأملات. شيء ما بين الـ«هايكو» وحكم سيوران. اليوم يروقه، لحسن الحظ، أن يعود فيتبنّى ذلك الإنجاز الخاص الذي حيّاه جمال الدين بن شيخ، بصفته استثناءً يلتمع في فضاء القصيدة العربيّة. الشعر العربي كان يفتقر إلى «مهرّجه» فجاء رشيد الضعيف، كتب بن شيخ في مقدّمة الترجمة الفرنسيّة لـ«حين حلّ السيف...». وليت صاحب «كواباتا» أعاد نشرها في «الأعمال الشعريّة» التي تضمّ إلى المجموعة الأولى: «لا شيء يفوق الوصف»، و«أي ثلج يهبط بسلام».
تلك القصائد، إعادة قراءتها اليوم متعة حقيقيّة. استراحة ميتافيزيقيّة من عناء الغنائيّة الهادرة والإطناب. على كل حال، شعر الضعيف لا يختلف عن روايته. سرّ الصنعة نفسه: تلك الخفّة المستعصية على التصنيف. لا يسعى «إلى النسج على منوال» بتعبيره، ولا يكتب «نوعاً أدبياً بعينه». بل يترك «المعاني» تجد «ألفاظها» (على حدّ تعبير الجرجاني...).