حسين بن حمزة
عندما يستهلّ كاتب روايته، متبرّئاً من أي مسؤوليّة في حال وجود تشابه ممكن بين أحداثها والواقع، فذلك يحمل غالباً اعترافاً مبطناً بأن الرواية أو أجزاء منها حدثت فعلاًً. كما يشوّق هذا التحذير القارئ، ليس فقط لقراءة الرواية، بل لقراءتها وفق مزاج تلصّصي يبحث في فصولها عن سيرة شخصية، ويظن أنّ الكاتب دفنها في السرد. رواية «غسان والعاهرات... وابنه الأميركي والفيرمونات» (دار الجديد) هي من هذا النوع. مؤلّفها العراقي ماهر سعدي كان بغنى عن لفت نظرنا إلى كونها «من نسج الخيال...». إذ إن قارئ الرواية يكتشف سريعاً أن أحداثها تجري في مدينة خليجية يسميها الكاتب «الريمية» ( دبي على الأرجح)، وأنها تروي حكاية عراقي (ربما هو المؤلف) اسمه غسان صبري في نهاية العقد الرابع من عمره ويحمل الجنسية البلجيكية.
عنوان الرواية يلخّص عالمها، فهي مشغولة بسرد قصص غسان مع «العاهرات» الصغيرات (لا نتبنّى الشحنة الأيديولوجيّة لهذا المصطلح، بل ننقله على لسان الكاتب) اللواتي يملأن «الريمية» وعلبها الليلية.
في الوقت الفاصل بين عاهرة وأخرى تصل إلى القارئ نتف من ماضي غسان، فيعرف أنه كان متزوجاً من بلجيكية ثم طلقها من دون أن ينجبا، وأنه التقى مرةً بأميركية اسمها ليندا كان لديها حلم بانجاب ثلاثة أبناء من إيطالي وياباني وسلافي، وأنها بدأت بغسان معتقدةً أنّه إيطالي. يعرف القارئ أنها حبلت منه وسافرت. غسان لديه أصدقاء في الريمية، معظمهم وافدون مثله. أما العاهرات فمعظمهن من روسيا والجمهوريات الآسيوية التي انفصلت عنها.
الرواية تبدأ بليلة حمراء عامرة مع التتارية دايانا ذات السبعة عشر عاماً... وتنتهي بها أيضاً. باب شقة غسان يُطرق في اللحظة التي ستغادره التتارية. المفاجأة أنّ الطارق هو مايكل ابنه الأميركي الذي لم يره في حياته، من ليندا المتوفّاة على الأرجح. الرواية التي كانت تسير بوتيرة معقولة تتسارع في النهاية وتأخذ منحاً ميلودراميّاً، أشبه بفيلم هندي مطعّم بشيء من... الخيال العلمي! من أوّل نظرة يدبّ الغرام في الاتجاهين بين الابن الأميركي والتتارية. يقرر الابن انقاذ ديانا من الدعارة، رغم معرفته بمضاجعة أبيه البيولوجي لها. أما الأب فيغرم بشقيقة ابنه، ماريسا الدبلوماسية الكورية التي أنجبتها ليندا من رجل كوري ظنته يابانياً. ونعلم لاحقاً أن ماريسا هي التي ساعدت مايكل للوصول إلى أبيه. وهكذا يتحقّق عنوان الرواية ويتطابق مع أحداثها. إنها بالفعل تحكي قصة غسان والعاهرات وابنه الأميركي. أما الفيرمونات (انبعاثات ضئيلة تشع من الأجسام)، فهي نظرية يشرحها غسان لابنه ليبرر الجاذبية التي تشدّه إلى التتارية وبالعكس.
هذه هي الرواية، أما الباقي فحكايات بورنوغرافية مدفوعة الأجر. الأرجح أنّ الجنس هو البطل الحقيقي للرواية. لِمَ لا؟ الجنس بضاعة رائجة في الرواية العربية اليوم... أليس كذلك؟